تُعد الديانة البهائية من الديانات التوحيدية الإبراهيمية التي نشأت في بلاد فارس (إيران) في القرن التاسع عشر. وهي ديانة تؤكد في مبدئها الأساسي على الوحدة الروحية للجنس البشري. تستند البهائية إلى تعاليم مؤسسها حسين علي النوري، المعروف باسم بهاء الله.
إن التعمق في فهم أي دين يتطلب منا أن نتبع نبرة من الجدية مقرونة بالتعاطف، محاولين استيعاب جوهر المعتقدات والتحديات التي تواجه أتباعها. تدعو الكتابات البهائية أتباعها إلى تهذيب الروح والتهيؤ لحياة أبدية في العوالم الأخرى، حيث يُعد كل جهد في تمثل الصفات الإلهية والقيم بمثابة صقل لمرآة الروح.
ما هي البهائية؟ التعريف والأصول التاريخية
البهائية هي ديانة توحيدية إبراهيمية، ظهرت في سنة 1863م في إيران. يبلغ عدد معتنقيها اليوم أكثر من سبعة ملايين شخص، يتوزعون في أكثر من 200 بلدًا وإقليمًا.
ترتكز هذه الديانة على ثلاثة أعمدة رئيسية تشكل أساس تعاليمها:
- وحدانية الله: الإيمان بوجود خالق واحد فقط.
- وحدة الدين: الاعتقاد بأن جميع الديانات الكبرى لها نفس المصدر الروحي وتأتي من نفس الخالق.
- وحدة الإنسانية: الإيمان بأن جميع البشر خُلقوا متساوين رغم تنوعهم، ويُشار إلى هذا المفهوم بـ "الوحدة في التنوع".
يؤمن البهائيون بأن الغرض من حياة الإنسان هو تهذيب الروح وتهيئتها لحياتها الأبدية، ويتم التقرب إلى الله عن طريق الدعاء والصلاة، والتأمل، والعمل بموجب التعاليم الإلهية، وخدمة الإنسانية.
بهاء الله والباب: المؤسسون الأوائل
تأسست الديانة البهائية على يد بهاء الله في القرن التاسع عشر ببلاد فارس. لكن الديانة مرتبطة تاريخيًا بحركة سابقة تُعرف باسم البابية، التي أسسها ميرزا علي محمد، الملقب بالباب.
الباب (مؤسس الدين البابي): هو علي بن محمد ابن المرزا محمد. جاهر بعقيدته ولقب نفسه بالباب، وأذاع أنه المهدي المنتظر. آمن بالباب ثمانية عشر شخصًا، من ضمنهم الطاهرة (قرة العين)، ومُنحوا لقب "حروف الحي". نتيجة لذلك، كان هناك ارتباط تاريخي بين البهائية والبابية. قام البابيون (الأزلية) بتدبير اغتيال الملك ناصر الدين انتقامًا لزعيمهم بعد إعدام الباب في تبريز سنة 1850م. في المقابل، يرى النقاد أن الباب زعم أنه خاتم النبيين سيدنا محمد.
بهاء الله: كان حسين علي النوري (بهاء الله) من ضمن الذين أيدوا دعوة الباب. بعد محاولة اغتيال الشاه، قُبض على بهاء الله وسُجن في طهران، ثم أُبعد إلى بغداد. نُفي بهاء الله من بلاد فارس إلى الأراضي العثمانية، ثم إلى إسطنبول، ومنها إلى أدرنة. في أدرنة، أعلن بهاء الله علنًا عن رسالته في شكل رسائل إلى ملوك ورؤساء الدول آنذاك (مثل نابليون الثالث والسلطان عبد العزيز)، داعيًا إياهم إلى نبذ الخلافات والعمل من أجل وحدة العالم والسلام. توفي بهاء الله بينما كان لا يزال سجينًا بشكل رسمي.
يرى النقاد أن بهاء الله ادعى الألوهية، وادعى النبوة. كما أن البهائية، وفقًا لبعض الآراء، هي امتداد للباطنية والصهيونية.
الأركان الثلاثة للديانة البهائية: وحدة الوجود الإنساني والروحي
وحدانية الله ووحدة الدين
يؤمن البهائيون بالله الواحد الأحد، الأزلي الأبدي، الذي لا يُعرف وفوق إدراك الإنسان بعقله. على الرغم من أن الناس قد يكون لديهم أفكار مختلفة عنه، ويصلّون بلغات مختلفة، أو يستخدمون أسماءً مختلفةً للإشارة إليه، إلا أنهم جميعًا يشيرون إلى حقيقة واحدة وخالق واحد.
وفقًا للعقيدة البهائية، فإن دين الله قد تكشّف من خلال سلسلة من الرسل الإلهيين (مظاهر الظهور الإلهي). هذه الرسالات هي عملية مستمرة وتدريجية، تقدم التعاليم والإرشادات اللازمة لتطور المجتمعات الإنسانية اجتماعيًا وروحيًا. شملت قائمة هؤلاء الرسل: موسى، وعيسى، ومحمد، وكريشنا، وبوذا، وصولًا إلى الباب وبهاء الله.
ترجع الاختلافات بين الأديان إلى التعاليم الاجتماعية والأحكام التي تختلف حسب درجة النضج الاجتماعي والروحي للبشر وظروف كل مجتمع. كما أن المفاهيم الخاطئة والتفسيرات التي تراكمت على مر القرون من قِبل أتباع الديانات شوّهت حقيقة ذلك الدين فيما بعد.
وحدة الجنس البشري: الوحدة في التنوع
وحدة الجنس البشري هي إحدى أهم تعاليم بهاء الله. هذا المبدأ يعني أن جميع البشر قد خُلقوا متساوين رغم تنوعهم، ويجب نبذ جميع أنواع التحيزات والتعصبات (العنصرية، الدينية، الجنسية، وغيرها). شبّه عبد البهاء التنوع بين البشر بالحديقة المليئة بالأزهار المختلفة الألوان والأشكال، وهذا التنوع هو ما يجعلها أكثر جمالًا.
لا تعني الوحدة في البهائية فرض التوحيد والتماثل، بل الاحتفاء بالتنوع الثقافي والوطني والفردي.
تعاليم ومبادئ البهائية الأساسية
تشمل التعاليم والمبادئ البهائية عددًا كبيرًا من الأفكار اللاهوتية والاجتماعية والروحية التي أسسها بهاء الله وأوضحها عبد البهاء وشوقي أفندي.
التوافق بين العلم والدين وتحري الحقيقة
يُعد الانسجام بين العلم والدين أحد المبادئ الأساسية في البهائية. لا ترى الكتابات البهائية أن العلم والدين متناقضان، بل هما وسيلتان لمعرفة الحقيقة وفهمها. أكد عبد البهاء أن العلم بدون الدين يؤدي إلى المادية البحتة، والدين بدون العلم يؤدي إلى الخرافات.
من المبادئ الأساسية أيضًا وجوب تحري الحقيقة بشكل مستقل وخالٍ من التحيز. يجب على كل فرد بالغ البحث عن الحقيقة دون تقليد الآخرين، حتى الوالدين. ولتحقيق هذا، لا يوجد رجال دين في البهائية، وكل بهائي مسؤول عن توطيد علاقته مع الله.
المساواة ونبذ التعصب وتحقيق السلام العالمي
- المساواة بين الرجل والمرأة: يرى البهائيون أن الرجل والمرأة متساويان عند الله، ولا يوجد جنس أفضل من الآخر. تُعد المساواة شرطًا أساسيًا لتحقيق الوحدة والسلام والتقدم الاجتماعي في العالم. وقد وضح عبد البهاء أن نجاح وازدهار البشرية لا يمكن أن يحدث إلا عندما تتقدم المرأة جنبًا إلى جنب مع الرجل، مثل الطائر الذي يطير بجناحيه القويين.
- نبذ التعصبات: يتطلب قبول مبدأ وحدة الجنس البشري القضاء على جميع أنواع التحيزات والتعصبات. التعصبات تستند إلى الجهل، وتمنع الأفراد من رؤية جميع البشر على أنهم متساوون ونبلاء.
- التعليم العام الإلزامي: يُعتبر التعليم أحد العوامل الرئيسية في التطور الروحي والمادي. ويجب إعطاء الفتيات الأولوية في التعليم؛ لأن الأم هي المربية الأولى للأطفال.
- السلام العالمي: الهدف الأسمى للدين البهائي هو تحقيق السلام العالمي الدائم. ويتطلب هذا قبول وحدة الجنس البشري والعدالة، والمساواة بين الجنسين. كما ترى التعاليم البهائية ضرورة تطوير لغة عالمية مشتركة لتسهيل التواصل وتحقيق الوحدة.
النظام الإداري والوحدة: قوة العهد والميثاق
إن الدين البهائي لا يحتوي على كهنة أو رهبان أو قساوسة أو رجال دين. يعتقد البهائيون أن على كل شخص مهمة تثقيف نفسه والتعرف على تعاليم دينه وتطبيقها.
إدارة الجامعة البهائية (غياب الكهنوت)
لضمان وحدة الجامعة البهائية وحفظها من الانشقاق والانقسام، وضع بهاء الله نظامًا أساسيًا يُعرف باسم "العهد والميثاق". هذا العهد يحدد كيفية استمرار عملية الهداية ومسألة الخلافة.
تم نقل السلطة عبر مراحل واضحة:
- أوصى بهاء الله في "كتاب عهدي" لابنه عبد البهاء بإدارة شؤون الجامعة البهائية.
- عهد عبد البهاء في "ألواح الوصايا" لحفيده شوقي أفندي بالمسؤولية من بعده.
- أخيرًا، انتقلت المسؤولية إلى بيت العدل الأعظم، وهو أعلى هيئة إدارية منتخبة للدين البهائي، يدير شؤون الجامعة البهائية على النطاق العالمي.
هذا المبدأ يحافظ على تماسك ووحدة المجتمع البهائي. بالنسبة للبهائيين، فإن أكبر جريمة روحية هي كسر العهد.
الشرائع والعبادات البهائية
تتكون الأحكام البهائية من أحكام أخلاقية مشتركة بين الأديان (مثل الصدق والنزاهة) وأحكام تهدف لتنظيم الحياة الاجتماعية (مثل الزواج والطلاق والدفن). لا يعتبر بهاء الله الأحكام إطارًا عقابيًا، بل جزءًا أساسيًا من تقدم الإنسان الروحي.
- الصلاة والدعاء: الصلاة والدعاء جزء لا يتجزأ من الحياة البهائية. هناك صلاة فريضة واحدة يوميًا تُؤدى بتوجه معين نحو الروضة البهائية في البهجة بعكا. الدعاء والمناجاة تعبير عن حب الإنسان لخالقه. كما أن قراءة آثار بهاء الله في كل صباح ومساء والتأمل في معانيها من الفرائض.
- الصوم: يصوم البهائيون 19 يومًا في شهر العلاء (آخر شهر بهائي) من شروق الشمس حتى غروبها، قبل عيد النوروز.
- الحج: حج البهائيين إلى بيوت مقدسة في شيراز (بيت الباب) وعكا (بيت بهاء الله).
- العبادة والخدمة: يُعتبر العمل المنتج الذي يُؤدى بروح الخدمة نوعًا من العبادة. يتجسد تكامل العبادة والخدمة في مؤسسة مشرق الأذكار (المعبد البهائي)، وهو مبنى مركزي للعبادة تحيط به ملحقات للخدمات الاجتماعية والاقتصادية.
وجهات النظر المتعارضة والواقع الحالي
آراء نقدية حول العقيدة وخاتمية النبوة
تُواجَه البهائية بآراء نقدية حادة، لا سيما من منظور إسلامي، حيث يرى النقاد أن معتقداتها تتناقض مع الإسلام وترفع لواء الإلحاد.
من أبرز نقاط النقد:
- خاتم النبوة: يؤكد القرآن الكريم أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين. لذا، فإن دعوى ظهور رسول بعده تُعد من علامات الكذب الواضح والبهتان. النقاد يرون أن البابية والبهائية تزعم النبوة أو الألوهية.
- الصلة بالباطنية والصهيونية: تُوصف البهائية بأنها إلحاد في الاعتقاد وأنها ورثت البابية. كما يُشار إليها بأنها مذهب قائم على أطلال الباطنية، وأنها تسعى لأن تكون للصهيونية السيطرة على الشرق والعالم. ويرى النقاد أن بهاء الله (وخلفه عبد البهاء) سعيا لخدمة الصهيونية والاستعمار وتوطيد الصلة بهما.
معاناة البهائيين: الاضطهاد والتمييز
يعاني أتباع الديانة البهائية، خاصة في إيران، من الاضطهاد الشديد منذ تأسيسها. كما يواجه البهائيون في مصر معاناة كبيرة نتيجة لسياسات وممارسات المؤسسات الحكومية، التي تحرمهم من حقوقهم المدنية الأساسية.
منذ أكثر من ستة عقود، عانى البهائيون المصريون من التمييز الواسع المدعوم من المؤسسات الرسمية. هذه الممارسات تهدف إلى قمعهم وطمس هويتهم الدينية، وتشمل:
- الحرمان من الحقوق المدنية.
- تقييد الوصول إلى الخدمات العامة والتعليم والتوظيف.
- عوائق أمام حقوق الأسرة، حيث تم إلغاء أحكام قضائية سابقة منحت الأزواج البهائيين اعترافًا بزواجهم.
- مواجهة تهديدات بالترحيل أو تفريق أفراد الأسرة.
- الحرمان من حقهم في ممارسة الأنشطة المجتمعية والمشاريع الخدمية، حيث تراقب السلطات هذه الأنشطة باستمرار.
إن الجامعة البهائية العالمية تعرب عن قلقها العميق إزاء هذا الاضطهاد المستمر.
أسئلة وأجوبة شائعة حول البهائية
س1: ما هي الأركان الأساسية التي تقوم عليها الديانة البهائية؟
ج1: تقوم الديانة البهائية على ثلاثة أعمدة رئيسية: وحدانية الله، ووحدة الدين (بمعنى أن جميع الديانات الكبرى لها مصدر روحي واحد)، ووحدة الإنسانية (الإيمان بمساواة البشر والوحدة في التنوع).
س2: هل يوجد في الدين البهائي رجال دين أو كهنوت؟
ج2: لا يوجد في الدين البهائي طبقة كهنوتية أو رجال دين محترفين. تُدار شؤون الجامعة البهائية بواسطة نظام إداري يتألف من هيئات منتخبة، على رأسها بيت العدل الأعظم.
س3: ما هو مبدأ "العهد والميثاق" في البهائية؟
ج3: العهد والميثاق هو نظام وضعه بهاء الله لضمان وحدة الجامعة البهائية وحفظها من الانشقاق. يتضمن هذا النظام نقل السلطة والهداية بالتعيين والانتخاب بشكل واضح، بدءًا من بهاء الله إلى ابنه عبد البهاء، ثم حفيده شوقي أفندي، وانتهاءً ببيت العدل الأعظم المنتخب.
س4: ما هو رأي البهائية في علاقة العلم والدين؟
ج4: تؤكد البهائية على ضرورة الانسجام التام بين العلم والدين. ترى التعاليم البهائية أن الحقيقة واحدة، وأن العلم والدين هما مصدران للمعرفة وجناحان يطير بهما الإنسان للكمال، ولا يمكن أن يتعارضا.
س5: ما هو رأي النقاد في البهائية بخصوص خاتمية النبوة؟
ج5: يرى النقاد أن الديانة البهائية تخالف مبدأ ختم النبوة في الإسلام، حيث أن بهاء الله والباب أدعيا النبوة أو الألوهية بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أجمع المسلمون على أنه خاتم الرسل.
تُعد الديانة البهائية ديانة توحيدية ترتكز على مبادئ أساسية تدعو إلى وحدة الله ووحدة الدين ووحدة الجنس البشري (الوحدة في التنوع). تأسست على يد بهاء الله، وتؤمن باستمرارية الهداية الإلهية من خلال رسل متعاقبين. من أهم مبادئها المساواة بين الرجل والمرأة، والتوافق بين العلم والدين، والسعي لتحقيق السلام العالمي. ويُدار المجتمع البهائي عن طريق نظام إداري مركزي يعتمد على الانتخابات، يترأسه بيت العدل الأعظم، وذلك بفضل "العهد والميثاق" الذي يهدف إلى منع الانقسام. ومع ذلك، تواجه البهائية انتقادات حادة من حيث عقائدها وارتباطها المزعوم بالباطنية والصهيونية، كما يعاني أتباعها في دول مختلفة، مثل مصر وإيران، من الاضطهاد والتمييز المنهجي الذي يحرمهم من حقوقهم المدنية الأساسية.