في رحلتنا عبر دروب الحياة، يظل العقل هو مركبتنا الأساسية نحو المعرفة والفهم. إن التفكير ليس مجرد عملية ذهنية عابرة، بل هو السبيل الوحيد والمخرج مما نعيشه، وهو يتطلب منا حرية ومحبة حقيقية للعلوم. وحين نتحدث عن الفلسفة، فإننا نتحدث بالضرورة عن الحكمَة الشاملة لكل شيء.
لقد فهم الفلاسفة العرب والمسلمون الفلسفة على أنها حكمَة الحياة، وحكمة شاملة. وهذه الحكمة تعني التشبه بالله بقدر الطاقة الإنسانية، وتتجاوز مجرد امتلاك المال أو الجاه، لتشمل القدرة على ضبط النفس، وحل مشكلات الحياة والمجتمع، وتحليل الأمور وإنزالها منازلها. إن الفلسفة، كما عرفها الفيلسوف العربي أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الصباح الكندي (المتوفى حوالي 253هـ)، هي العلم بالموجودات بما هي موجودة، ولا يوجد شيء في العالم إلا ولفلسفته وعليه غرض ومنه علم بقدر الطاقة الإنسانية.
ولأن الفلسفة هي هذا المجهود العظيم لاستكمال النفس الإنسانية بتصور الحقائق النظرية والعملية، فإن تاريخ الفكر العربي الإسلامي يزخر بأعمال تُعد نقاط تحول، ليس فقط في الفكر الإقليمي، بل في مسيرة الفكر الإنساني العالمي. في هذا المنشور، سنغوص في أعماق أهم الكتب الفلسفية التي أسست لعصور، وأثارت سجالات ما زال صداها قائماً حتى اليوم.
المنطق كأداة للفلسفة
من الضروري أن ندرك أن المنطق لدى الفلاسفة المسلمين لم يكن قسماً من أقسام الفلسفة، بل كان يُعد حاكماً كلياً للفلسفة، وأداتها. وقد سمّاه أرسطوطاليس، "المعلم الأول للبشرية"، بـ "الأورجانون"، وهي كلمة يونانية تعني الأداة أو الآلة. ابن سينا (الشيخ الرئيس) نفسه اعتبر المنطق "آلة العلوم" والأداة الضرورية لأي تفكير سليم. المنطق هو الميزان الذي يحكم الفلسفة النظرية والفلسفة المدنية.
أقسام الحكمة
تبعاً لهذا الفهم الشامل، قُسمت الفلسفة (الحكمة) عند الكندي والفارابي وابن سينا إلى حكمة نظرية وحكمة عملية.
تنقسم الحكمة النظرية بدورها إلى ثلاثة علوم:
- العلم الطبيعي (الطبيعيات): وهو أسفلها في الطبع، ويبحث في الموجودات المادية المحسوسة (الكنبة، الكرسي، الزجاج، العطور، جسمك)، وكل ما يتعلق بالعالم المادي من فيزياء إلى علم النفس.
- العلم الرياضي: وهو أوسطها في الطبع، ويتعلق بالمعقولات التي ليست بمواد أصلاً، ولكنها يمكن أن توجد في المواد.
- العلم الربوبي (الميتافيزيقا): وهو أعلاها في الطبع، ويبحث فيما بعد الطبيعيات، مثل الله وصفاته والمعاني المجردة.
أما الحكمة العملية (المدنية)، فتشمل إدارة الحياة الإنسانية، وتنقسم إلى:
- حكمة خلقية: على مستوى الفرد (تزكية النفس وتطهيرها).
- حكمة منزلية: العلاقة بين الوالد وولده، والزوج وزوجته.
- حكمة مدنية (السياسة): قيادة الناس وتسوسهم، وهي التعاون بين الناس على مصالحهم.
السجالات الكبرى في الفلسفة الإسلامية: الصراع بين الشفاء والتّهافت
إن تاريخ الفكر الإسلامي شهد صراعاً بين قامات فكرية عظيمة، تجسدت في ثلاثة كتب رئيسية تعد من أهم الكتب الفلسفية التي تحدد مسار هذا الفكر.
موسوعة "الشفاء" لابن سينا: علاج النفس بالمعرفة
يُعد كتاب "الشفاء" لأبي علي الحسين بن عبد الله بن سينا (المعروف باسم Avicenna) موسوعة شاملة ومنهجية في الفلسفة، والعلوم الطبيعية، والرياضيات، والمنطق. لقد كان ابن سينا ظاهرة فكرية؛ إذ حفظ القرآن وأتقن الطب والفلسفة والمنطق قبل أن يبلغ الثامنة عشرة، ولقب بـ "الشيخ الرئيس" و "أمير الأطباء".
"الشفاء" لا يعني شفاء الجسد، بل "شفاء النفس" من الجهل والارتباك. وقد قسم ابن سينا هذا العمل الضخم إلى أربعة أقسام رئيسية:
- قسم المنطق: يبدأ به لأنه يعتبره "آلة العلوم"، وقد قام فيه ابن سينا بإعادة ترتيب منطق أرسطو وتهذيبه وتطويره، ومناقشة مفاهيم القياس المنطقي وأنواع القضايا.
- قسم العلوم الطبيعية (الطبيعيات): يغطي هذا القسم العالم المادي من الفيزياء (السماع الطبيعي)، وعلم الفلك (مقدماً شرحاً للنموذج البطلمي)، وعلم النبات والحيوان. ويُعد جزء "كتاب النفس" من أهم إسهاماته، حيث قدم نظرية متكاملة عن النفس البشرية وقواها (النباتية، الحيوانية، الناطقة).
- قسم الرياضيات: يشتمل على علوم الهندسة والحساب والموسيقى.
- قسم الميتافيزيقا (الإلهيات): يمثل ذروة فكر ابن سينا، حيث يحاول التوفيق بين فلسفة أرسطو والعقيدة الإسلامية، ويقدم فيه تمييزه الشهير بين "واجب الوجود" (الله) و "ممكن الوجود" (المخلوقات).
ملاحظة هامة: يُخلط الكثيرون بينه وبين كتابه الآخر، ولكن القانون في الطب هو موسوعة طبية بحتة، بينما كتاب الشفاء هو موسوعة فلسفية وعلمية شاملة.
"تهافت الفلاسفة" للغزالي: تحدي العقل المطلق
في عام 1095م، أصدر أبو حامد الغزالي (المتوفى 505هـ) كتابه "تهافت الفلاسفة"، رداً على الفلاسفة القدماء (ابن سينا والفارابي)، مبيناً تهافت عقيدتهم وتناقض كلمتهم، وكاشفاً عن "غوائل مذهبهم وعوراته التي هي على التحقيق مضاحك العقلاء". وقد كان الغزالي يتوجه بهذا الكتاب إلى أولئك المبهورين بالفلاسفة الذين ظنوا أن أفكارهم نقية من التناقض.
قام الغزالي بتنظيم الكتاب في عشرين مسألة، ترجع في أصولها إلى ثلاث مقولات رئيسية:
- قدم العالم: إبطال مذهبهم في أزلية وأبدية العالم (المسألتان الأولى والثانية).
- علم الله بالكليات لا الجزئيات: إبطال قولهم بأن الأول لا يعلم الجزئيات.
- البعث للأرواح فقط دون الأجساد: إبطال إنكارهم حشر الأجساد والتألم باللذات والآلام الجسمانية في الجنة والنار.
"تهافت التهافت" لابن رشد: الانتصار للعقل والبرهان
كان كتاب "تهافت التهافت" لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي (توفي 595هـ) بمثابة الرد المباشر على الغزالي. ابن رشد، وهو عالم عربي أندلسي، كان فقيهاً مالكياً، وقاضياً، وطبيباً، وفلكياً، وفيلسوفاً.
ألف ابن رشد كتابه هذا سنة 1180م، ويهدف إلى بيان قصور الغزالي عن مرتبة البرهان المنطقي. وقد تناول فيه قضايا عدة، أهمها:
- الرد على الغزالي في قضية أبدية العالم وأقدميته، فبينما رأى الغزالي أن العالم يتمدد ويتقلص وله بداية ونهاية، رأى ابن رشد خلاف ذلك، متّبعاً مذهب فلاسفة اليونان.
- إلغاء حجج الغزالي وإبطال تكفير الفارابي وابن سينا.
- رد الاعتبار للفلسفة والفلاسفة بصورة عامة.
لقد كان ابن رشد أعظم المفكرين المسلمين أثراً وأبعدهم نفوذاً في الفكر الأوروبي، وكانت طريقته في شرح أرسطو هي المثلى.
النقد والتأسيس في العصر الحديث: مشروع الجابري الفكري
لم تتوقف حركة النقد والتأسيس في أهم الكتب الفلسفية عند العصور الكلاسيكية، بل استمرت بقوة في العصر الحديث، تجسدت في أعمال طموحة سعت لتشخيص واقع الفكر العربي.
رباعية "نقد العقل العربي": محاولة للنهضة
في عام 1984، أطلق المفكر المغربي محمد عابد الجابري (1936-2010) مشروعاً فكرياً ضخماً نابعاً من هاجس التفكير في سبل تحقيق النهضة العربية المنشودة. انطلق الجابري من فرضية مفادها أن مشروع النهضة العربية ظل متعثراً لأنه لم ينبن على نقد العقل. وتساءل: "هل يمكن بناء نهضة بعقل غير ناهض، عقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه؟".
بنى الجابري مشروعه الفكري على امتداد أكثر من 10 سنوات، وصدر في أربعة أجزاء رئيسية:
- تكوين العقل العربي: (تناول فيه آليات تكون العقل).
- بنية العقل العربي: (تناول بنية العقل المعرفية).
- العقل السياسي العربي: (تناول آليات اشتغال العقل في مجال السياسة).
- العقل الأخلاقي العربي: (تناول الأساس الأخلاقي للفكر العربي).
تمثلت مهمة نقد العقل العربي، في نظر الجابري، في استئناف النظر في معطيات الثقافة العربية الإسلامية بمختلف فروعها، وتحديداً في كيان العقل العربي من جهة، وفي آلياته من جهة أخرى. ورغم أن تصورات الجابري قوبلت بترحيب واسع وأعيد طبع كتبه عدة مرات، إلا أنها أثارت سجالات واسعة في الأوساط الأكاديمية. وبالفعل، عكس نقد الجابري هموم عصره، ولكنه لا يزال وثيق الصلة بالواقع، ويدعو إلى قراءات جديدة للتاريخ في ضوء التحديات الراهنة.
"العقل العربي": المصطلح والسجال
أصبح مصطلح "العقل العربي" دارج الاستعمال منذ إطلاق المشروع، متجاوزاً المعنى الذي يقصده المؤلف، وهو "العقل الذي تكون وتشكل داخل الثقافة العربية، في الوقت ذاته الذي عمل هو نفسه على إنتاجها وإعادة إنتاجها".
لقد أثارت أطروحات الجابري نقداً كبيراً، ومن أبرز هذه الردود، مشروع المفكر جورج طرابيشي (الذي تناول في كتبه نقداً للجابري). يوضح طرابيشي أن ضخامة رده (الذي صدر في أربعة مجلدات حتى الآن)، لم تنحصر في نقد النقد فحسب، بل تحولت إلى مشروعه الشخصي لإعادة قراءة التراث العربي الإسلامي. ويروي طرابيشي أنه اندفع ليتحرى عن شواهد الجابري واحدة واحدة، ليكتشف أن الزيف يكمن في الإشكاليات نفسها، وليس فقط في تعزيزاتها. وقد تناول نقد طرابيشي أساساً كتابي تكوين العقل العربي و بنية العقل العربي من رباعية الجابري.
لقد جاءت منهجية طرابيشي "بسيطة" لكنها "مُتعبة"، وتستلزم جهداً مضنياً لقراءة وإعادة قراءة المراجع، مما يهدف لإزاحة الغشاوة الأيديولوجية عن الحقائق.
فلاسفة الأخلاق وتجديد المنهج: أعمال طه عبد الرحمن
من بين أهم الكتب الفلسفية الحديثة التي ركزت على تجديد الفكر المنهجي والأخلاقي، تبرز أعمال المفكر المغربي طه عبد الرحمن، الذي يُلقب بـ "فيلسوف الأخلاق" أو "فقيه الفلسفة".
تنوعت مؤلفات طه عبد الرحمن بين المنطق والفلسفة ونقد الحداثة وتجديد العقل. وتُعد هذه الأعمال محط دراسات ورسائل جامعية. ومن أبرز أعماله التي ركزت على هذا الجانب:
- روح الدين من ضيق العَلمانية إلى سعة الائتمانية.
- العمل الديني وتجديد العقل.
- تجديد المنهج في تقويم التراث.
- السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي.
- المفاهيم الأخلاقية بين الائتمانية والعلمانية.
إن مشروعه يمثل دعوة قوية لإعادة تأسيس الفكر على أصول عملية وأخلاقية، مستخدماً منهجية جديدة في التعامل مع التراث.
كنوز فلسفية لا تُنسى: مؤلفات تأسيسية أخرى
لا تقتصر أهم الكتب الفلسفية على العمالقة الذين ذكرناهم، بل تشمل أعمالاً تأسيسية في الفقه، ومنهجية التفكير، وتاريخ الفلسفة نفسها.
ابن رشد: بين الشريعة والفلسفة
إضافة إلى سجاله مع الغزالي، قدم ابن رشد أعمالاً أساسية في مجالات أخرى:
- فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال: هذا الكتاب من المصنفات الفقهية والكلامية، وقد طرح فيه ابن رشد قضية العلاقة بين الدين والمجتمع في التاريخ العربي الإسلامي. قُسّم الكتاب إلى ثلاثة أقسام رئيسية، يقرر أولها وجوب فعل التفلسف والنظر في الموجودات كما تدل الآيات القرآنية، ويربط ثانيها بين الفلسفة والشريعة، ويعرض ثالثها اعتراضاته على معتقدات المعتزلة والأشاعرة في قضية تكفير الفلاسفة.
- بداية المجتهد ونهاية المقتصد: يعد هذا من المصنفات الفقهية والكلامية في الأصول. يتميز الكتاب بمنهج استقرائي متميز، حيث يعرض المسائل الفقهية وآراء الفقهاء، ويذكر أسباب الخلاف في المسائل بسبب اختلاف الفقهاء في بعض القواعد الأصولية.
- تلخيص الخطابة: يختص هذا الكتاب في نطاق علوم اللغة العربية والبلاغة اللغوية والأدب العربي والشعر والنثر.
- شروحات أرسطو: قام ابن رشد بشرح وتلخيص العديد من كتب أرسطو، مثل تلخيص كتاب السماع الطبيعي، و شرح كتاب النفس، و تلخيص وشرح كتاب ما بعد الطبيعة (الميتافيزياء)، و تلخيص كتاب الأخلاق. وقد كان لهذا العمل تأثير كبير جداً في الفكر الأوروبي.
الفلسفة الإسلامية: تاريخها ومنهجيتها
لفهم أهم الكتب الفلسفية، لا بد من الإشارة إلى الأعمال التي أرخت للفلسفة نفسها، مثل كتاب "تاريخ الفلسفة في الإسلام" لدي بور. اكتسب هذا الكتاب أهمية بالغة كونه أول كتاب صدر في مطلع القرن العشرين (صدر بالألمانية سنة 1901م). وقد اعتُمد كتاب دي بور مرجعاً موسوعياً لمعظم الكتابات التي تناولت الفلسفة الإسلامية وتاريخها.
لقد قسّم الفلاسفة المسلمون (مثل الكندي والفارابي وابن سينا) الفلسفة إلى أقسام منطقية لخدمة هدفهم الأسمى: أعمال العقل. هذه التقسيمات تعكس سعيهم الدائم لتحليل الأمور، ووضع كل علم في منزله الصحيح، سواء تعلق الأمر بالتعليم، أو السياسة، أو الثقافة.
أسئلة وأجوبة شائعة حول أهم الكتب الفلسفية
س 1: ما المغزى من استخدام مصطلح "العقل العربي" في مشروع الجابري؟
ج: يقصد المفكر محمد عابد الجابري بـ "العقل العربي" العقل الذي تكون وتشكل داخل الثقافة العربية، وفي الوقت ذاته عمل هذا العقل على إنتاجها وإعادة إنتاجها. كان هدف الجابري من هذا النقد هو التفكير في سبل تحقيق النهضة العربية، انطلاقاً من فرضية أن النهضة تعثرت لعدم قيامها على نقد شامل لآليات العقل ومفاهيمه.
س 2: ما هو كتاب "تهافت التهافت" لابن رشد وما هي دوافع تأليفه؟
ج: "تهافت التهافت" هو رد الفيلسوف الأندلسي ابن رشد على كتاب أبي حامد الغزالي تهافت الفلاسفة. الهدف من تأليفه، الذي صدر سنة 1180م، هو بيان قصور الغزالي عن مرتبة البرهان المنطقي والدفاع عن الفلاسفة (خاصة الفارابي وابن سينا)، وإلغاء حجج الغزالي في مسائل مثل أزلية وأبدية العالم وروحانية النفس.
س 3: ما الذي يعنيه ابن سينا بـ "الشفاء" في موسوعته الشهيرة؟
ج: لا يعني "الشفاء" في كتاب ابن سينا المعروف شفاء الجسد، بل يقصد به "شفاء النفس". وهو شفاء النفس من الجهل والارتباك، حيث سعى ابن سينا إلى تقديم رؤية متكاملة للكون والمعرفة عبر أربعة أقسام شاملة هي المنطق، والطبيعيات، والرياضيات، والإلهيات.
س 4: ما هي المقولات الثلاث الرئيسية التي ركز عليها الغزالي في نقده للفلاسفة في "تهافت الفلاسفة"؟
ج: ترجع المقولات العشرين التي تناولها الغزالي في تهافت الفلاسفة إلى ثلاث مقولات رئيسية وهي:
- قدم العالم: (أزلية وأبدية العالم).
- علم الله بالكليات لا الجزئيات: (نفي علم الله بالجزئيات).
- البعث للأرواح فقط خلا الأجساد: (إنكار البعث وحشر الأجساد).
س 5: لماذا يُعتبر المنطق "آلة العلوم" وليس قسماً منها عند فلاسفة الإسلام؟
ج: اعتبر فلاسفة المسلمين، مثل ابن سينا، المنطق هو الأداة والآلة (الأورجانون) التي يجب استخدامها للوصول إلى أي علم أو حكمة. المنطق هو الميزان الذي يحكم جميع فروع الفلسفة (النظرية والمدنية)، وبالتالي هو مدخلها وأساسها وليس قسماً مستقلاً بذاته.
خلاصة الرحلة الفكرية
لقد كانت رحلتنا في أهم الكتب الفلسفية دليلاً على عظمة التراث الفكري الإسلامي وقدرته على إنتاج سجالات عميقة ومشاريع نقدية تتجاوز الزمان. فمن موسوعة الشفاء التي سعت لتنظيم المعارف الكونية وعلاج النفس من الجهل، مروراً بالصدام الفكري الحاد بين الغزالي (في تهافت الفلاسفة) وابن رشد (في تهافت التهافت) حول دور العقل في فهم الوجود والشريعة، وصولاً إلى مشروع الجابري الحديث في نقد العقل العربي الذي سعى لتحقيق النهضة عبر مراجعة شاملة لآليات الفكر المكون، وأعمال طه عبد الرحمن في تأسيس فلسفة الأخلاق. إن هذه الكتب ليست مجرد نصوص تاريخية، بل هي دعوة مستمرة لنا اليوم لاستعمال العقل، وتبني منهج الحكمة الشاملة في التعامل مع تحديات واقعنا.