السيدة عائشة رضي الله عنها أكثر الصحابيات رواية للحديث النبوي الشريف ومكانتها في فقه الأمة

السيدة عائشة رضي الله عنها أكثر الصحابيات رواية للحديث النبوي الشريف ومكانتها في فقه الأمة

لم يكن نقل الشريعة والسنة النبوية الشريفة مقصوراً على الصحابة الرجال فقط، بل اضطلعت الصحابيات الجليلات بدور محوري وأساسي في نقل أدق تفاصيل الوحي والسلوك النبوي إلى الأمة. فمن نعم الله العظيمة على هذه الأمة أن جعل بيوت النبي صلى الله عليه وسلم مدارس للعلم والمعرفة، بتعدد زوجاته الطاهرات، اللواتي قمن بتبليغ أمانة الدين والعلم.

إن التساؤل حول أكثر الصحابيات رواية للحديث يقودنا مباشرة إلى التعمق في سيرة أم المؤمنين التي اجتمعت فيها عوامل فريدة من القرب والملازمة وقوة الحفظ والفطنة، مما جعلها تحتل مكانة تأسيسية وضرورية في صيانة السنة.

تستعرض هذه المقالة مكانة السيدة الجليلة التي تربعت على عرش الرواية النسائية، وتحليل الأسباب العميقة والمنهجية التي جعلت مروياتها غنية وموثوقة، وكيف أن مساهمتها لم تكن هامشية بل كانت ركناً رئيسياً في علم الفقه والتشريع.

من هي أكثر الصحابيات رواية للحديث؟ المرتبة الرابعة في المكثرين السبعة

استقر رأي أئمة الحديث على تصنيف سبعة من الصحابة الكرام ضمن فئة "المكثرين" من الرواة، وهم الذين رووا ألف حديث فأكثر. وما يميز هذا التصنيف هو أن امرأة واحدة دخلت ضمن هذه النخبة الضيقة، مما يدل على المكانة الفريدة والمساهمة التأسيسية لعلمها في التشريع.

إن أكثر الصحابيات رواية للحديث النبوي الشريف هي أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها.

الإحصاء الكمي: (2210) حديثاً غير مكرر

لجأ المحدثون الأوائل إلى منهجية دقيقة لعد الأحاديث، كان أبرزها الإحصاء المعتمد على "مسند بقي بن مخلد الأندلسي"، والذي وإن فُقد، إلا أن أرقامه توارثها الأئمة وحرروها. وهذه الأرقام تمثل أصول الأحاديث التي رواها كل صحابي دون تكرار طرق الإسناد.

  • العدد الإجمالي لمروياتها: بلغت مرويات السيدة عائشة (رضي الله عنها) ألفين ومائتين وعشرة أحاديث (2210).
  • مكانتها بين المكثرين: بهذا العدد، احتلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها المرتبة الرابعة في الترتيب العام بين الصحابة المكثرين السبعة.

ويوضح الجدول التالي ترتيب المكثرين السبعة، لتظهر فيه مكانة السيدة عائشة بوضوح:

الترتيبالصحابي (رضي الله عنه)عدد الأحاديث المروية
1أبو هريرة5374 حديثاً
2عبد الله بن عمر2630 حديثاً
3أنس بن مالك2286 حديثاً
4عائشة (رضي الله عنها)2210 حديثاً
5عبد الله بن عباس1660 حديثاً
6جابر بن عبد الله1540 حديثاً
7أبو سعيد الخدري1170 حديثاً
  • مكانتها في الكتب الستة: أما باعتبار كثرة الرواية في الكتب الستة، فإن عائشة رضي الله عنها تحتل المرتبة الثانية بعد أبي هريرة مباشرة. فقد روي لها في الكتب الستة ألفا حديث وواحد وثمانون حديثاً (2081).
  • اتفاق الشيخان: اتفق الإمامان البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثاً (174) من مروياتها، مما يبرهن على الإجماع المنهجي بين أئمة الحديث على سلامة مروياتها وقوتها.

أسباب غزارة مرويات أفقه النساء وأكثر الصحابيات رواية للحديث

تعود غزارة مرويات أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى تضافر مجموعة من العوامل الطبيعية والفردية والاجتماعية التي قلما اجتمعت لامرأة أخرى في جيل الصحابة. وهذه العوامل تشمل:

1. القرب والملازمة الطويلة للنبي صلى الله عليه وسلم

كان القرب المباشر والملازمة المستمرة للنبي صلى الله عليه وسلم هي العامل الأهم في إكثارها من الرواية. فقد نشأت السيدة عائشة في بيت النبوة، وتزوجها النبي وهي صغيرة في سن التاسعة.

  • الاطلاع على الخصوصيات: مكنها هذا القرب من نقل تفاصيل الحياة الزوجية والأسرار التي لم يكن ليطلع عليها الصحابة الرجال. وشمل ذلك الأحكام المتعلقة بالعبادات والطهارة وسنن النوم والاستيقاظ وأدق تفاصيل تصرفات النبي في بيته.
  • المدرسة الأولى: كانت حجرتها الشريفة تُعتبر "المدرسة الأولى" في الدنيا التي يُؤخذ منها الحديث الشريف.
  • طول مدة الملازمة: عاشت السيدة عائشة رضي الله عنها في بيت النبوة حوالي تسع سنين. وتوفاه الله وهو في حجرها.
  • نمط الرواية الاجتماعية: كانت الرواية في القرن الأول تعتمد على العلاقات الاجتماعية أكثر من كونها علاقات علمية منهجية، وهذا النمط القائم على الرواية "للحاجة" كان متاحاً لها أكثر من غيرها، حيث كانت مرجعاً طبيعياً للنساء والتابعين لسؤالها عن أدق تفاصيل الحياة النبوية.

2. الذكاء الحاد وقوة الحفظ وجودة الاستيعاب

امتازت أم المؤمنين عائشة بالذكاء الوقاد والفطنة العالية، وقوة الحفظ والاستذكار، مما ساعدها على حفظ كتاب الله تعالى وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقههما.

  • أوعية العلم: وصفها الإمام الذهبي بأنها "من أوعية العلم، ومن كبار المفتين من الصحابة".
  • عالمة الأمة: قال عنها الإمام الزهري: «لو جمع علم نساء هذه الأمة فيهن عائشة لكان علم عائشة أفضل».
  • التفوق المعرفي: شهد لها ابن أختها عروة بن الزبير بأنها أعلم الناس بالقرآن والحلال والحرام والطب والشعر. فهي لم تقتصر على الشرعيات، بل تعدّت ذلك إلى اللغة والتاريخ والأنساب والطب.
  • الحرص على النقل بدقة: كانت رضي الله عنها دقيقة جداً في نقل الموروث النبوي، وكانت ترى أن كل نظرة وكل ابتسامة وكل قول وكل تصرف من النبي صلى الله عليه وسلم هو حديث ينبغي نقله.

3. طول العمر والتفرغ لتعليم الأمة

يُعد طول العمر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عاملاً رئيسياً في إكثار الصحابة من الرواية. فقد عاشت السيدة عائشة بعد وفاته سنين كثيرة، إذ توفيت سنة 58 هـ، أي بعد النبي بـ (48) عاماً.

في هذه الفترة الطويلة:

  • التفرغ التام: تفرغت السيدة عائشة لتعليم الناس ونشر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
  • تولي الرياسة العلمية: تولت مقاليد الرياسة في العلم والرواية، حيث كان الناس في حاجة ماسة لعلمها.
  • مرجعية الصحابة: شهد لها كبار الصحابة بالمنزلة العلمية، حتى قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: "ما أشكل علينا -أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً".

مكانة السيدة عائشة كـ "أفقه النساء" ومصححة مرويات الصحابة

لم تقتصر منزلة السيدة عائشة على كونها اكثر روايه للحديث من الصحابيات عدداً، بل كانت لها مكانة فريدة في الفقه والدراية والتنقية النقدية للمرويات. وهي بحق عالمة نساء الأمة ومفتيتها الأولى.

1. الإحاطة بجميع أبواب الشريعة

تميزت مروياتها بأنها طرقت معظم أبواب الأحكام إلا قليلاً منها. وقد غلب عليها طابع الأفعال على الأقوال، خاصة ما يتعلق بأعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيتية والمعيشية.

  • تخصص في فقه المرأة: برعت ونافست غيرها في نقل أحكام النساء الخاصة بهن، ولم يضارعها في ذلك أحد. فقد تناولت مروياتها الطهارة (كأحكام الحيض والاستحاضة والغسل)، والعبادات، والعقيدة، والتفسير.
  • نقل الفقه العملي: اكتسبت السيدة عائشة العلم والفقه العملي بمشاركتها في مناحي الحياة الإسلامية، ومن ذلك مشاركتها في الغزوات كغزوة أحد، حيث كانت تنقل الماء لتسقي الصحابة المنهكين، مما أسهم في بناء الفقه الإسلامي.

2. دورها النقدي في تصحيح الأحاديث

تجلت مكانتها كـ أفقه النساء واكثر الصحابيات رواية للحديث في دورها النقدي؛ فقد كانت ترجع إلى الصحابة وتصحح لهم بعض المرويات التي فهموها على غير وجهها، أو التبس عليهم سماعها.

  • تصحيحها لابن عمر: من أشهر مواقفها النقدية تصحيحها لرواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حول تعذيب الميت ببكاء أهله عليه. فقد قالت: «يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ». وأوضحت أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على يهودية يُبكى عليها أهلها فقال: «إنهم ليبكون عليها و إنها لتعذب في قبرها». فهي لم تشكك في عدالة الراوي، بل في وهمه أو نسيانه للفظ الدقيق.
  • نقد أسلوب الرواة: انتقدت أسلوب بعض المكثرين في التحديث، كأبي هريرة، بقولها: «لم يكن رسول الله ﷺ يسرد الحديث كسردكم هذا». مع ذلك، لم تنكر عليه حديثه، وإنما استغربت أسلوبه.

طلاب السيدة عائشة رضي الله عنها

شهدت حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها تجمعاً للتابعين والفقهاء، وكان كبار التابعين يرجعون إليها في الفتوى والرواية، ويحتكمون إلى قولها في المسائل الدقيقة. وقد وصف بعض طلابها سعة علمها، فقال الزهري في حق عمرة بنت عبد الرحمن: "فأتيتها فوجدتها بحراً لا ينزف".

ومن أبرز طلابها الذين نقلوا عنها آلاف المرويات:

  1. عروة بن الزبير بن العوام (ت 94 هـ): هو ابن أختها، وقد كان أكثر الناس رواية عن خالته عائشة، حتى روى عنها وحده (1050) حديثاً، وهو نصف مسندها تقريباً. كان شديد الملازمة لها وكثير السؤال. وقال عنه الزهري: "كان بحراً لا ينزف ولا تكدره الدلاء".
  2. القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (ت 106 هـ): كان يتيماً في حجر عمته عائشة، ولازمها. وهو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، وروى عنها (137) حديثاً في الكتب الستة.
  3. الأسود بن يزيد النخعي (ت 75 هـ): الكوفي، من كبار التابعين، وكان كثير الحج والتردد على المدينة. روى عنها (117) حديثاً في الكتب الستة.
  4. عمرة بنت عبد الرحمن (ت 103 هـ): كانت في حجر عائشة رضي الله عنها. شهد لها الزهري بأنها "بحر لا ينزف". وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم أن يكتب له أحاديثها. وروت عنها في الكتب الستة (72) حديثاً.

إن غزارة مرويات طلابها عنها تؤكد أنها كانت مركزاً علمياً مستقلاً، واستمرار علمها في طبقات التابعين الكبار، مما يضمن وصول علمها إلى الأجيال اللاحقة بتوثيق عال.

المرتبة الثانية بين الصحابيات: أم المؤمنين أم سلمة

بالرغم من تفرد السيدة عائشة بلقب اكثر روايه للحديث من الصحابيات كمّاً، إلا أن أمهات المؤمنين الأخريات كان لهن دور عظيم، وتأتي أم المؤمنين أم سلمة (هند بنت أبي أمية) رضي الله عنها في المرتبة الثانية مباشرة.

  • عدد مروياتها: روت أم سلمة ما يقدر بـ (300) إلى (380) حديثاً.
  • مكانتها: كانت من فقهاء الصحابيات وذوات الحكمة والفطنة.
  • دورها التاريخي: شكلت دعامة علمية عظيمة، واشتهرت بالرواية والفتيا بعد وفاة عائشة، لكونها آخر من تبقى من أمهات المؤمنين.
  • طبيعة مروياتها: تضمنت أحكاماً وتفاسير وآداباً، ومعظمها في أحكام العبادات كالطهارة والصلاة والصوم والحج.
  • حكمتها: تجلت حكمتها وفطنتها في صلح الحديبية عندما أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج ونحر هديه ودعوة حالقه ليحلق له، بعد أن امتنع الصحابة عن القيام والانصياع لأمره لشدة ما أصابهم من همّ.

لقد شكلت مرويات عائشة وأم سلمة معاً منظومة فقهية متكاملة، حيث تفردت عائشة رضي الله عنها بالكم والاجتهاد النقدي وفقه الأسرار، وتميزت أم سلمة بالجودة والحكمة والمشورة وفقه العبادات العامة والتفسير.

إسهامات أمهات المؤمنين الأخريات في نقل السنة

على الرغم من التباين في الأعداد، فإن كل أم من أمهات المؤمنين كان لها فضل في نقل ما اطلعت عليه من شؤون النبوة، مما أسهم في تجميع السنة النبوية الشريفة. ويُعزى هذا التباين في الأعداد إلى عوامل مختلفة، أبرزها فترة الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم وطبيعة دور الصحابية بعد وفاته.

أم المؤمنينعدد المرويات (بقي بن مخلد)عدد المرويات في الكتب الستةأبرز المرويات
أم سلمة300 - 380 حديثاً-فقه العبادات والتفسير والحكمة
ميمونة بنت الحارث76 حديثاً-الطهارة وحياته في بيته، رغم قصر ملازمتها (3 سنوات)، لكن تأخرت وفاتها (51 هـ).
أم حبيبة بنت أبي سفيان65 حديثاً (وقيل 56)29 حديثاً (اتفق الشيخان على 2)العقيدة والعبادات، ومنها الدعاء المأثور.
حفصة بنت عمر60 حديثاً28 حديثاً (اتفق الشيخان على 4)أحكام الصيام والعبادات، ومنها حديث «من لم يُجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له».
زينب بنت جحش11 حديثاً5 أحاديث (اتفق الشيخان على 2)الانفراد برواية يأجوج ومأجوج. وكانت ورعة وصناع اليد.
صفية بنت حيي10 أحاديث6 أحاديثروت في باب الاعتكاف.
جويرية بنت الحارث7 أحاديث4 أحاديثروت في الصوم والزكاة.
سودة بنت زمعة5 أحاديث2 حديثانحديث واحد في البخاري عن الذبائح.

دور الرواية النسائية بعد عصر النبوة

لم يقتصر الإسهام في نقل السنة على أمهات المؤمنين فحسب، بل استمر عبر شبكة واسعة من الصحابيات الأخريات والتابعيّات.

1. جهود سائر الصحابيات

حرصت الصحابيات على التعلم من النبي صلى الله عليه وسلم، وأقبلن على مجالسهن. ومن أشهر الصحابيات اللاتي نقلن الحديث:

  • أم الدرداء (ت 30 هـ): كانت من فضليات النساء وذوات الرأي، وروى عنها صفوان بن عبد الله.
  • أم هانئ بنت أبي طالب (ت 40 هـ): ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخت علي بن أبي طالب.

كانت طرق تحمل الحديث الشريف التي شاعت بين الصحابيات هي السماع، وقد كن يحضرن المجالس العامة والخاصة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم خصّ يوماً للنساء يعظهنّ فيه ويعلمهنّ أحكام الدين. وقد كان هذا الاعتراف بدور المرأة في كل نواحي الحياة سابقة إسلامية حضارية.

2. التابعيّات واستمرار الإسناد النسائي

في القرن الأول الهجري، تراجعت رواية التابعيّات المشهورات بالكثرة مقارنة بالصحابة، حيث كان حرص التابعين على ترك المجال للصحابة الذين هم خير القرون. كما كان الحريص على الإسناد يرحل إلى الصحابي مباشرة بدلاً من التابعي.

لكن ظهرت كبريات التابعيّات اللاتي كنّ تلميذات مباشر لأمهات المؤمنين، ومن أشهرنّ في الرواية:

  • خيرة أم الحسن البصري (مولاة أم سلمة).
  • زينب بنت كعب بن عجرة (زوج أبي سعيد الخدري).
  • صفية بنت أبي عبيد بن مسعود (زوج عبد الله بن عمر).
  • عمرة بنت عبد الرحمن (من التلميذات الأربع البارزات للسيدة عائشة).

استمر الإسناد النسائي بعد ذلك، لكن في القرون اللاحقة (كالثالث والرابع)، بدأ تراجع في عدد الرواة من النساء؛ إذ تحول نمط الرواية من الرواية "الاجتماعية" القائمة على القرب والملازمة في القرن الأول، إلى الرواية "المنهجية" القائمة على الرحلة والسماع المنظم، وهذا التحول ساهم في تراجع العدد الإجمالي للرواة من النساء.

نصائح عملية للاستفادة من فقه الصديقة (رضي الله عنها)

إن دراسة مرويات أكثر الصحابيات رواية للحديث ليست مجرد عملية إحصائية، بل هي مفتاح للوصول إلى جزء حيوي من الشريعة، خاصة ما يتعلق بالحياة الأسرية والعبادات الخاصة. ويمكننا الاستفادة من هذا الدور التأسيسي للسيدة عائشة باتباع خطوات عملية:

  1. التركيز على فقه الأسرار: كانت السيدة عائشة هي الناقل الأمين لـ فقه الأسرار والسنة الفعلية التي وقعت داخل البيت النبوي. لذلك، يجب على الباحثين وطلبة العلم إيلاء مروياتها أهمية خاصة عند دراسة أحكام الطهارة، الصيام، والآداب الزوجية.
  2. فهم المنهج النقدي: يجب دراسة دورها كـ "مصححة" لأحاديث الصحابة (مثل نقدها لابن عمر)، فهذا يعطينا نموذجاً عملياً للتثبت والتحقيق في الرواية، ويؤكد أن العدالة في النقل لم تكن تعني العصمة من الوهم.
  3. تكامل المنظومة النسائية: ينبغي النظر إلى مروياتها مع مرويات أم سلمة (300-380 حديثاً) على أنها منظومة فقهية متكاملة، حيث تكمل الواحدة منهما الأخرى في مجالات التخصص، فالسنة لا تستقيم دون الأخذ من كلتا المدرستين.

الأسئلة الشائعة 

س 1: من هي أكثر الصحابيات رواية للحديث بشكل مطلق؟

ج: أكثر الصحابيات رواية للحديث هي أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها. وقد بلغ مجموع مروياتها، حسب إحصاء الإمام بقي بن مخلد، (2210) حديثاً.

س 2: هل السيدة عائشة من المكثرين السبعة للحديث؟

ج: نعم، السيدة عائشة رضي الله عنها هي المرأة الوحيدة التي أُدرجت ضمن الصحابة المكثرين السبعة، وهم من روى أكثر من ألف حديث. وهي تحتل المرتبة الرابعة في الترتيب العام بين المكثرين.

س 3: ما هو السبب الرئيسي لغزارة رواية السيدة عائشة مقارنة بالصحابيات الأخريات؟

ج: يعود السبب إلى تضافر عوامل عدة، أبرزها الملازمة الطويلة للنبي صلى الله عليه وسلم في سن مبكرة، وقوة ذكائها وحفظها، وطول عمرها بعد وفاة النبي (48 عاماً) وتفرغها للتعليم والفتوى، مما جعل الناس في حاجة ماسة لعلمها.

س 4: من هي أفقه النساء واكثر الصحابيات رواية للحديث بعد السيدة عائشة؟

ج: تأتي في المرتبة الثانية بين الصحابيات المكثرات أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، والتي روت ما بين (300) و (380) حديثاً، واشتهرت بفقهها وحكمتها. أما لقب أفقه النساء فيطلق على عائشة لإحاطتها النقدية والفقهية بالسنة النبوية.

دور المرأة في نقل الشريعة

إن النظر في سيرة الصديقة بنت الصديق، أكثر الصحابيات رواية للحديث، يكشف لنا عن دور نسائي تأسيسي في حفظ الشريعة. لقد كانت غزارة مروياتها، المتمثلة في (2210) حديثاً، نتيجة طبيعية لامتلاكها عوامل الإكثار النادرة: الذكاء القاد، الملازمة المستمرة، وطول العمر مع التفرغ التام للتعليم. ومكانتها لا تنبع من الكثرة العددية فحسب، بل من دورها كفقيهة ومصححة ومرجعية لكبار الصحابة والتابعين.

لقد أثبتت السيدة عائشة رضي الله عنها أن مساهمة المرأة في قيادة العلم الشرعي وتوجيهه كانت أمراً مُمكناً وواقعاً في صدر الإسلام. إن الاعتراف بهذا الدور الجبار الذي قامت به أمهات المؤمنين في نقل السنة المباركة كفيل بأن يجعل منهن أعمدة رواية لأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفاته.

ندعو القارئ إلى التعمق في دراسة فقه هذه الصحابية الجليلة، ومشاركتنا آراءه حول كيفية استعادة هذا الدور العلمي المشرق للمرأة المسلمة في عصرنا الحالي، والبحث في جوانب أخرى من حياة أكثر الصحابيات رواية للحديث.

تعليقات