الكتب الستة أمهات دواوين الحديث النبوي الشريف

الكتب الستة أمهات دواوين الحديث النبوي الشريف

لقد تكفل الله تعالى بحفظ الذكر (القرآن والسنة)، وسخر العلماء لحفظ سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها من التصانيف. وتُعد السنة النبوية الشريفة هي الأصل الثاني للتشريع في الإسلام بعد القرآن الكريم، وهي بمثابة الهيكل الأساسي الذي قام عليه صرح الإسلام. ولأهمية هذا المصدر، اهتم العلماء على مر العصور بالحديث النبوي جمعاً وتدويناً ودراسةً وشرحاً، واستنبطوا حوله علومًا مختلفة كعلم الجرح والتعديل وعلم مصطلح الحديث وعلم العلل.

في خضم هذا الجهد العلمي الهائل، برزت مجموعة من المصنفات التي حظيت بالقبول التام والمنزلة الرفيعة لدى علماء الأمة؛ هذه المجموعة هي ما اصطلح على تسميتها بـ الكتب الستة. تمثل هذه الكتب الستة خلاصة لجهود القرون الأولى في تنقيح ونقد وحفظ الأحاديث، حتى أضحت أصول أمهات دواوين الإسلام. فبأحاديث هذه المصنفات أخذ العلماء، واستدل الفقهاء، وأثبتوا الأحكام، وعليها مدار عامتها، وإليها المنتهى. وإذا كان القرآن هو الدستور، فإن هذه المصنفات هي القانون المفصل والمطبق لأحكامه.

ما هي الكتب الستة؟

تعريف الكتب الستة ونشأة المصطلح

إن مصطلح الكتب الستة أو كتب الحديث الستة أو الأصول الستة، يطلق على ستة مؤلفات جامعة في علم الحديث النبوي عند أهل السنة والجماعة. هذه الكتب هي:

  1. صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ).
  2. صحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 هـ).
  3. سنن النسائي للإمام أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ).
  4. سنن أبي داود للإمام أبي داود السجستاني (ت 275 هـ).
  5. سنن الترمذي للإمام أبي عيسى محمد الترمذي (ت 279 هـ).
  6. سنن ابن ماجه للإمام محمد بن ماجه القزويني (ت 273 هـ).

كانت هذه الكتب في بدايتها تُعد خمسة أصول، ثم ألحق بها كتاب سنن ابن ماجه ليصبح عددها ستة، وكان هذا الإلحاق على يد الحافظ محمد بن طاهر المقدسي (ت 507 هـ). وقد سار على منواله الحافظ عبد الغني المقدسي (ت 600 هـ).

أهمية هذه الأصول في التشريع الإسلامي

تمثل الكتب الستة أهم المصنفات الحديثية المعتمدة التي تلخص جهود التدوين التي بدأت رسمياً بأمر من عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى للهجرة. وتأتي أهميتها من عدة جوانب:

  • مدار الأحكام: إن أحاديث هذه الكتب هي المرجع الأساسي الذي أخذ به العلماء واستدل به الفقهاء، وعليها مدار عامة الأحكام الشرعية.
  • القياس على القرآن: إذا ثبت الحديث بالسند الصحيح، فإنه يكون بمنزلة القرآن تماماً في تصديق الخبر والعمل بالحكم. فالأصل في أفعال النبي وأقواله أنها للتشريع، إلا ما دل الدليل على خلافه.
  • تبيين وتفصيل القرآن: السنة النبوية الشريفة مبينة للقرآن ومفصلة لمجمله، فما جاء مجملاً في القرآن (كأحكام الصلاة والزكاة)، جاءت هذه الدواوين لتفصله. كما أن السنة تستقل بتشريع أحكام ليست في القرآن، كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، وتحريم كل ذي ناب من السباع.

ترتيب وتصنيف دواوين الحديث الستة

اعتمد العلماء في ترتيب الكتب الستة على مقياسين رئيسيين: إما حسب قوة الصحة، وإما حسب وفيات المؤلفين.

الترتيب حسب معيار الصحة

يُعد هذا الترتيب هو الأشهر والأكثر اعتباراً لدى المحدثين لكونه يركز على درجة الاحتياط والجودة في انتقاء الأحاديث:

  1. صحيح البخاري: يتربع على القمة، حيث يراه الحافظ الذهبي "أجل كتب الإسلام، وأفضلها بعد كتاب الله".
  2. صحيح مسلم: يأتي في المرتبة الثانية بعد البخاري، وقد اتفق جمهور العلماء أو جميعهم على هذه المرتبة.
  3. سنن النسائي: يُعد المجتبى (السنن الصغرى) أقل السنن الأربعة احتواءً للحديث الضعيف أو المعلول، وهو مقدم على سنني أبي داود والترمذي لشدة تحري مؤلفه في الرجال.
  4. سنن أبي داود: له مكانة عظيمة بين الفقهاء لجمعه أحاديث الأحكام.
  5. سنن الترمذي: يمتاز ببيان درجات الحديث (صحيح وحسن وضعيف)، وذكر مذاهب الصحابة والتابعين والفقهاء.
  6. سنن ابن ماجه: يحتل أدنى الرتب بين الكتب الستة، وهو أقل رتبة من السنن الثلاثة الأخرى.

مسألة إخراج الموطأ من الكتب الستة

في الترتيب الزمني، يُعد كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ) هو الأقدم من حيث الوفاة. وقد اختلف العلماء في عد الكتب الستة، حيث كان الموطأ يُعد أحد الأصول الخمسة التي سبقت إضافة سنن ابن ماجه.

لماذا قُدّم سنن ابن ماجه على الموطأ في عد الكتب الستة؟ السبب الرئيسي في تقديم سنن ابن ماجه على الموطأ (رغم مكانة الموطأ العظيمة) يعود إلى أن الأحاديث التي يحتاج إليها من أبواب الأحكام في الموطأ قد اندرجت ودرجت في الكتب الستة الأخرى. فالأحاديث التي انفرد بها الموطأ قليلة نسبياً، بينما انفرد سنن ابن ماجه بزوائد كثيرة على الكتب الخمسة. لذلك، أصبحت الكتب الستة هي المعتمدة لكونها قد أغنت عن إفراد الموطأ بالذكر لشمولها على أحاديثه.

أعلام الكتب الستة ومناهجهم الخاصة

إن لكل إمام من أئمة دواوين الحديث الستة منهجاً علمياً دقيقاً اختطه في تأليف مصنفه، سعياً لخدمة السنة النبوية:

1. الإمام البخاري (ت 256 هـ) و"صحيحه"

هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ولد سنة 194 هـ في بخارى بأوزبكستان، وتوفي سنة 256 هـ. قضى حياته رحلة في طلب العلم وجمع الحديث.

  • الدافع والتأليف: جاء الدافع لتصنيفه نتيجة اقتراح من أستاذه إسحاق بن راهويه لجمع كتاب مختصر لصحيح سنة رسول الله. كما رأى رؤيا ذب فيها عن النبي بمروحة، ففسرت بأن "أنت تذب الكذب عن النبي صلى الله عليه وسلم".
  • المنهج والاحتياط: سمى البخاري كتابه: "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله وسننه وأيامه". وتعب في تنقيحه وتهذيبه والتحري في صحته، حيث كان لا يضع فيه حديثاً إلا اغتسل وصلى ركعتين يستخير الله في وضعه. واستغرق تأليفه ستة عشر عاماً.
  • عدد الأحاديث: يبلغ عدد أحاديثه بالمكرر 7397 حديثاً، وبحذف المكرر يبلغ 2602 حديثاً.

2. الإمام مسلم (ت 261 هـ) و"صحيحه"

هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ولد سنة 206 هـ وتوفي سنة 261 هـ بنيسابور. جمع كتابه المسمى "المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" من بين ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.

  • منهجه الفريد: تميز الإمام مسلم بمنهج بالغ في الاحتياط والإتقان، حيث جمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد وأثبتها في موضع واحد. ولم يضع لكتابه أبواباً (لكنه في حكم المبوب) خوفاً من زيادة حجم الكتاب، وترك هذه التراجم لشراحه كالإمام النووي.
  • جودة السياق: تميز صحيح مسلم بـ "جودة السياق" والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع أو رواية بالمعنى. كما اعتنى ببيان من عبَّر من الرواة بلفظ "حدثنا" ومن عبَّر بلفظ "أخبرنا".

3. سنن أبي داود (ت 275 هـ)

هو الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، ولد سنة 202 هـ وتوفي بالبصرة سنة 275 هـ. انتخب سننه من خمسمائة ألف حديث.

  • التركيز الفقهي: اشتهر سنن أبي داود بين الفقهاء لأنه جامع لأحاديث الأحكام، واقتصر فيه على هذه الأحاديث.
  • منهج التصفية: ذكر أبو داود أنه اقتصر فيه على الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، وبيَّن ما فيه "وهن شديد"، ونفى وجود شيء فيه عن رجل "متروك الحديث".
  • قاعدة السكوت: قال الإمام أبو داود: "وما سكت عنه فهو صالح". وقد أوضح ابن كثير أن هذا يعني أن ما سكت عنه "حسن". ويرى ابن منده أن أبا داود كان يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، لكونه أقوى عنده من رأي الرجال.

4. سنن الترمذي (ت 279 هـ) و"جامعه"

هو الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، ولد سنة 209 هـ، وتوفي سنة 279 هـ. عرف الترمذي بالعلم والحفظ والورع.

  • الخصائص الثلاثة: يمتاز جامعه (المشهور بسنن الترمذي) بثلاثة أمور لا تجدها في غيره من الكتب الستة:
    1. اختصار طرق الحديث وذكر الشواهد: يختصر طرق الحديث لطيفاً، ويذكر الصحابة الذين رويت عنهم أحاديث في الباب (وفي الباب عن فلان وفلان).
    2. ذكر اختلاف الفقهاء والمذاهب: يذكر اختلاف الفقهاء وأقوالهم في المسائل الفقهية، ويشير إلى دلائلهم، ويذكر الأحاديث المتعارضة.
    3. التركيز على تعليل الحديث: يعتني ببيان درجة الحديث من الصحة أو الضعف، ويفصل القول في "علم العلل" و**"الجرح والتعديل"**، مما جعله كالتطبيق العملي لقواعد علوم الحديث.

ولهذا قال الشوكاني عنه: "كتاب الترمذي أحسن الكتب وأكثرها فائدة، وأحكمها ترتيباً، وأقلها تكراراً".

5. سنن النسائي (ت 303 هـ) و"المجتبى"

هو الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، ولد سنة 225 هـ وتوفي سنة 303 هـ بمكة. كان إمام عصره في علم الحديث وقدرته في معرفة الجرح والتعديل.

  • السنن الصغرى (المجتبى): صنَّف النسائي كتابين، السنن الكبرى والسنن الصغرى المسماة "المجتبى" (أي المختارة من الكبرى)، وهي التي تُعد من الكتب الستة.
  • شدة التحري: المجتبى "أقل السنن احتواء للحديث الضعيف" وأقلها للرجال المشكوك في جرحهم، وهو مقدم في درجته على سنني أبي داود والترمذي لشدة تحري مؤلفه في الرجال.
  • منهجه: اقتصر على أحاديث الأحكام، وكرر الأحاديث بأسانيد مختلفة، وجمع بين فوائد الإسناد ودقائق الفقه، وتكلم على الأحاديث وعللها.

6. سنن ابن ماجه (ت 273 هـ) وملاحظات العلماء عليه

هو الإمام محمد بن يزيد القزويني، ولد سنة 209 هـ وتوفي سنة 273 هـ. يبلغ عدد أحاديث كتابه 4341 حديثاً.

  • المرتبة الأدنى: بالرغم من أن سنن ابن ماجه هو السادس في مجموعة الكتب الستة، إلا أنه أقلها رتبة.
  • نقد العلماء لأحاديثه: لاحظ العلماء أن سنن ابن ماجه يتضمن أحاديث كثيرة ضعيفة ومنكرة وموضوعة. قال عنه الذهبي: "فيه مناكير وقليل من الموضوعات". وقال السيوطي: "إنه تفرد بإخراج الحديث عن رجال متهمين بالكذب، وسرقة الأحاديث". وقد وردت في سننه أحاديث موضوعة.

إن وجود أحاديث موضوعة (أي مختلقة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم) في سنن ابن ماجه أمر يدعو إلى الحذر. فالأحاديث الموضوعة هي شر الأحاديث الضعيفة، ولا تحل روايتها لأحد علم حالها إلا مقروناً ببيان وضعها. وقد كان ابن ماجه واسع العلم وحافظاً صدوقاً، لكنه لم يلتزم بإخراج الصحيح فقط في سننه، شأنه في هذا شأن غيره من أصحاب السنن. وقد أشار المحققان شعيب الأرنؤوط وبشار عواد معروف إلى عدد كبير من الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة جداً في الكتاب.

جهود العلماء في خدمة الكتب الستة

لم تقتصر جهود العلماء على تدوين الكتب الستة فحسب، بل قامت صناعة علمية ضخمة حول هذه المصنفات، شملت الشروح، وكتب الرجال، والأطراف.

شروح الكتب الستة والتعليقات عليها

إن الهدف من هذه الشروح هو فقه الحديث وتوضيح معانيه وبيان أحكامه. ومن أبرز هذه الشروح للمتقدمين والمعاصرين:

  • صحيح البخاري:
    • فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني.
    • فتح الباري لابن رجب الحنبلي.
    • عمدة القاري للعيني.
    • إرشاد الساري للقسطلاني.
    • التعليق على صحيح البخاري لابن عثيمين.
  • صحيح مسلم:
    • المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (شرح النووي على مسلم).
    • البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج لمحمد بن علي بن آدم الإتيوبي الولوي (في 45 مجلداً).
  • سنن أبي داود:
    • معالم السنن شرح سنن أبي داود للخطابي.
    • عون المعبود للعظيم آبادي.
    • بذل المجهود في حل أبي داود للسهارنفوري.
  • سنن النسائي:
    • زهر الربى على المجتبى (حاشية السيوطي).
    • ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (شرح سنن النسائي) لمحمد بن علي بن آدم الإتيوبي الولوي.
  • سنن الترمذي:
    • عارضة الأحوذي لابن العربي المالكي.
    • تحفة الأحوذي للمباركفوري.
  • سنن ابن ماجه:
    • حاشية السندي على ابن ماجه.
    • مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للكناني.

كما يوجد شروح على الجمع بين الصحيحين، مثل الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة، وكشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي.

كتب رجال الكتب الستة (علم التراجم والجرح والتعديل)

معرفة أحوال رواة هذه الكتب (من حيث الجرح والتعديل) كانت من أوجب الأمور لتمييز الحديث المقبول من المردود. وقد أُلفت ثلاثة كتب رئيسية متتابعة خصيصاً لدراسة رواة الكتب الستة:

  1. تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي (ت 742 هـ): اعتمد فيه المزي على كتاب الكمال في أسماء الرجال للمقدسي، لكنه استدرك ما فاته من الرواة، وزاد مادة تاريخية ضخمة في شيوخ صاحب الترجمة والرواة عنه. وقد رمز المزي في كتابه برموز تدل على من أخرج له من أصحاب المصنفات الستة، مثل "خ" للبخاري، و "م" لمسلم، و "ق" لابن ماجه، و "ع" للجماعة الستة معاً.
  2. تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ): هو اختصار وتهذيب لكتاب المزي. وقد حَذَف فيه ابن حجر كثيراً من شيوخ صاحب الترجمة وتلاميذه، واقتصر على الأَشْهَر والأَحْفَظ، كما حَذَف أسانيد الأقوال في الجرح والتعديل. لكنه زاد كثيراً من أقوال الأئمة في التجريح والتوثيق التي فاتَت المزي.
  3. تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر أيضاً: وهو اختصار شديد لـ "تهذيب التهذيب" بحيث لا تزيد الترجمة غالباً على سطر أو سطرين. وقد تميز بذكر خلاصة الحكم على الراوي بكلمة أو كلمتين، مثل "ثقة"، "صدوق"، أو "متروك".

بالإضافة إلى هذه الثلاثية، يُعد كتاب الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي (ت 748 هـ) مختصراً نافعاً أيضاً لرواة هذه الكتب.

توظيف الكتب الستة في البحث الشرعي (نصائح عملية)

بالنسبة لطالب العلم أو الباحث الذي يريد الاستفادة القصوى من الكتب الستة في الاستنباط الشرعي، لا بد من اتباع منهجية علمية مرتبة تعكس الترتيب الذي اعتمده أهل الحديث على أساس الصحة:

  1. البدء بالصحيحين: ابدأ دائماً بالبحث في صحيح البخاري ثم صحيح مسلم. يعتبر هذان المصدران هما الأساس، وما فيهما هو أقوى الأدلة وأصحها ثبوتاً.
  2. الانتقال إلى سنن النسائي: إذا لم تجد الحديث في الصحيحين، انتقل إلى سنن النسائي (المجتبى)، لكونه يليه في المنزلة من حيث قوة الرجال والتحري.
  3. الاستعانة بسنن أبي داود لأحاديث الأحكام: إذا كنت تبحث في مسائل فقهية، فإن سنن أبي داود هو المرجع الأمثل، إذ إن مؤلفه قصد جمع أحاديث الأحكام، معتمداً قاعدة أن ما سكت عنه فهو صالح للاحتجاج.
  4. الاستفادة من الترمذي في الترجيح: عند الوصول إلى الأحاديث التي فيها تعارض أو خلاف فقهي، يُعد جامع الترمذي كنزاً، حيث يفصل القول في علل الحديث، ويذكر مذاهب العلماء وأقوالهم وأدلتهم.
  5. التثبت عند سنن ابن ماجه: يجب على الباحث أن يمارس أقصى درجات الحذر عند التعامل مع أحاديث سنن ابن ماجه، خاصة الأحاديث التي تفرد بإخراجها، لكونه يحتوي على مناكير وموضوعات. يجب في هذه الحالة الرجوع إلى كتب الجرح والتعديل والتخريج والحكم على الحديث.

الأسئلة الشائعة حول الكتب الستة

س1: ما هو السبب الرئيسي لتسمية هذه المصنفات بـ "الكتب الستة"؟

الكتب الستة هو مصطلح أطلقه علماء الحديث على هذه المجموعة لكونها أشهر وأصح دواوين الحديث النبوي الشريف وأكثرها فائدة، والتي عُنيت بجمع غالبية أحاديث الأحكام. وقد كانت خمسة في الأصل، ثم أُلحق بها سنن ابن ماجه لتصبح ستة.

س2: ما هو الفرق الجوهري بين صحيح البخاري وصحيح مسلم؟

يتفق صحيح البخاري وصحيح مسلم على كونهما أصح كتابين بعد القرآن. لكن الإمام البخاري اشترط في إخراج الحديث شروطاً أكثر دقة، بينما تميز الإمام مسلم بـ "جودة السياق" حيث جمع طرق الحديث وألفاظه في مكان واحد، وحافظ على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع أو رواية بالمعنى.

س3: هل وجود أحاديث ضعيفة في كتب السنن الأربعة يقلل من قيمتها؟

لا يقلل ذلك من قيمة هذه دواوين الحديث، لأن مؤلفيها لم يشترطوا الصحة المطلقة، بل قصدوا جمع أحاديث الأحكام، وتعهد بعضهم (كأبي داود والترمذي) ببيان درجة الحديث (صحيح أو حسن أو ضعيف). بل إن وجود الحسن والضعيف فيها ضروري لمن أراد استنباط الأحكام. الاستثناء الأبرز هو سنن ابن ماجه الذي يحتوي على مناكير وموضوعات يجب الحذر منها.

س4: ما أهمية كتب الرجال والتراجم المرتبطة بالكتب الستة؟

تُعد كتب الرجال (مثل تهذيب الكمال وتقريب التهذيب) العمود الفقري لعلوم الحديث. وهي ضرورية لطلاب العلم والباحثين لمعرفة أحوال رواة الكتب الستة، من حيث الجرح والتعديل، مما يمكنهم من الحكم على صحة الحديث وقبوله أو رده.

الخاتمة: ميراث النبوة المحفوظ

إن الكتب الستة ليست مجرد مصنفات تاريخية، بل هي ميراث الأمة الخالد ومرجعها التشريعي الثاني الذي لا غنى عنه. لقد بذل أئمة هذه المصنفات (صاحبا الصحيحين وأصحاب السنن الأربعة) جهوداً جبارة، بلغت حد التقديس في التحري والضبط، مستخدمين منهجاً علمياً لا نظير له لحفظ كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

إن دراسة هذه دواوين الحديث والتعمق في شروحها وكتب رجالها، يفتح أمامنا الباب واسعاً لفهم الشريعة الغراء في أصولها وفروعها، ويقينا من الوقوع في اللبس والخطأ. ومن واجبنا تجاه هذا الإرث العظيم أن نواصل دراستها ونشرها وتبيان منهج أئمتها.

إذا كنت باحثاً أو طالباً للعلم، فإن التفاعل مع هذا الميراث العظيم يبدأ من هنا. شارك هذا المقال لتعم الفائدة، وشاركنا في التعليقات: أي كتاب من الكتب الستة كان له الأثر الأكبر في مسيرتك العلمية؟

تعليقات