إن حقيقة البشرية قائمة على الخطأ والعودة، فكل بني آدم خطَّاء. والمعصية هي كل أمر يخالف الشريعة الإسلامية، سواء كانت في الأقوال أو الأعمال الظاهرة أو الباطنة، وتشمل فعل المحظورات وترك الفرائض والواجبات. ونظرًا لخطورة العاقبة المترتبة على الذنوب، كان لزامًا على المسلم أن لا يستهين بها، وأن يسعى جاهدًا في سبيل تجنبها والوقاية منها.
لقد اتفق العلماء وأرباب السلوك على أن المعاصي تضر الإنسان ولا بد. إن شؤم الذنوب لا يقتصر على الآخرة فحسب، بل تمتد عقوباتها لتصيب قلب العاصي وبدنه وعقله ودينه ودنياه، إذ تؤدي إلى قلة التوفيق، وفساد الرأي، وضيق الصدر، وطول الهم والغم، وكسف البال. لذلك، فالبحث عن الوسائل التي تُعين المسلم على عدم الوقوع في الذنوب ليس مجرد فضيلة، بل هو ضرورة للثبات على الصراط المستقيم.
إن الهدف للمسلم ليس أن يصبح معصومًا من الذنوب، فهذا لم يتحقق حتى للأنبياء الذين يقعون في صغائر الذنوب لكنهم يتوبون منها. بل الهدف هو ألا ييأس، وأن يظل على الصراط المستقيم حتى وإن زلت قدمه. وقد فُتحت لنا أبواب النجاة؛ فإليك أهم الوسائل التي تُعين المسلم على عدم الوقوع في الذنوب وتعين على الاستقامة على أمر الله.
الابتعاد عن الإثم
إن المعركة الحقيقية لترك المعاصي تبدأ من الداخل، من إحياء القلب وتقويته. ويُعد الوازع الديني القوي هو الحصن الأول الذي يحمي المسلم من الانزلاق.
1. تقوى الله تعالى: المانع والحافظ
تُعد تقوى الله عز وجل الأصل الذي يبنى عليه الابتعاد عن المعاصي. وهي مأخوذة في اللغة من الوقاية. والتقوى تكون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه. وقد ذكر ابن رجب أن التقوى تكون بأن يجعل المسلم بينه وبين ما يخشاه من الله — كغضبه وعقابه — وقايةً بفعل أوامره. وكلما كان الإنسان مُتزوِّدًا بهذه التقوى، كان أبعد عن المعصية وأسبابها، ووقاية الله للعبد تكون بحفظه ومنعه من المعصية ذاتها.
2. الحياء من الله واستحضار المراقبة
الحياء من الله هو ركيزة أساسية، إذ إن من أهم الوسائل التي تُعين المسلم على عدم الوقوع في الذنوب هو العلم بأن الله مطلع على الأفعال كلها، سواء كانت ظاهرة أو باطنة. وهذا العلم يدفع العبد إلى خشيته وترك معاصيه. فالمسلم الذي يستحضر دائمًا أن الله يراقبه ويعلم بحاله وتحركاته ونظراته وسمعه وقلبه، يبتعد عن معصيته لربه. فإذا ما دفعت النفس المرء إلى ارتكاب الذنوب، فليقل لنفسه: إن الله يراني، فكيف لا أخجل منه سبحانه وتعالى؟ وهذا الاستحضار كافٍ ليكون رادعًا يحول بين العبد وبين ارتكاب المعاصي.
3. محبة الله تعالى وإيثار مرضاته
محبة الله هي صارف عظيم عن الذنوب. المحبة الحقة تستلزم الامتثال لأمر الله وترك نواهيه، ومتابعة نبيه، وإيثار طاعته. إن انشغال القلب بمحبة الله سبحانه وتعالى يكون صارفًا للعبد عن الذنوب والمعاصي، لأن هذه الذنوب تفوت على العبد نصيبه من محبة الله بمقدار ما يقع فيه منها.
الحماية السلوكية والعملية: المجاهدة وترك الأسباب
إن النوايا الحسنة لا تكفي وحدها؛ فلا بد من خطوات عملية صارمة لحماية النفس من أسباب السقوط. وتُعد المجاهدة وصدق الإرادة من أهم هذه الخطوات.
4. المجاهدة وصدق الإرادة القوية
إن ترك المعصية والإقلاع عن الذنوب ليس أمرًا يحدث بين يوم وليلة، بل يحتاج إلى مجاهدة عظيمة، وإرادة قوية، وصبر على مجاهدة الهوى. وهذه المجاهدة دليل على صدق العبد في نيته لترك الذنوب.
ويُمكن تلخيص الاستراتيجيات السلوكية في التعامل مع الذنب في النقاط التالية (وهي جزء من الاستراتيجيات التي ذكرها أهل العلم):
أ. لا تُصر على الذنب
الإصرار على الذنب هو الدوام على المعصية حتى تصير جزءًا من طبيعة الإنسان، وكأنها أسلوب حياة. المؤمن لا يجعل المعصية جزءًا من حياته أو طبيعته. والإصرار هو الهلاك، بينما المخرج من الذنوب يكون بالتوبة والاستغفار. والإنسان الذي يعافيه الله عز وجل من الإصرار يوصف بالإيمان.
ب. لا تُكثر من الذنب
إذا ابتليت بالمعصية وضعفت أمامها، فلست مضطرًا أبدًا أن تجعل يومك وليلتك غارقين في وحلها. بل يجب أن تتذكر الميزان يوم القيامة. تذكر أن الله يجعل للعبد ثلاث فرص مقابل فرصة واحدة للسيئة، فمن يهلك بعد ذلك فهو هالك لا محالة. فإذا وقعت في الذنب، فك الضغط على نفسك، وارجع فورًا إلى طاعة الله، ولا تسمح للمعصية أن تجلب معها معصية أخرى. إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وأتى بقوم يذنبون فيستغفرون، فيغفر الله لهم". فالمطلوب هو عدم اليأس والإصرار.
ج. لا تُجاهر بالمعصية
تُعد المجاهرة بالمعصية سببًا رئيسيًا في الهلاك، وقد قيل: كل أمتي معافى إلا المجاهرون. فالمسلم الذي يقع في الذنب يجب عليه أن يجعله بينه وبين الله، لا يظهره ولا يفاخر به. ومجرد التستر بجميل ستر الله يُعد حسنة داخل المعصية. والمجاهرة تشمل كل وسيلة لإظهار المعصية، سواء كانت قبلها (بالتخطيط العلني)، أو أثناءها (بالتصوير والعرض)، أو بعدها (بالمفاخرة).
5. البعد عن أسباب المعصية ومثيراتها
من أصول العلاج البعد عن كل سبب يقوي المرض. والمعصية لها دائمًا سبب يدفع إليها ويقويها ويسهم في الاستمرار فيها. والوسائل التي تُعين المسلم على عدم الوقوع في الذنوب تتطلب إزالة هذه المثيرات.
أ. غض البصر والحذر من النظرة الأولى
غض البصر واجب على كل مسلم ومسلمة في كل الأحوال. النظرة هي سهم مسموم من سهام إبليس. النظرة تولد الخطرة، التي بدورها تولد الإرادة، ثم العزيمة، ثم يقع الفعل. لذا، فإن غض البصر على ألمها أيسر بكثير من ألم الوقوع في المعصية وما يتبعها من حسرات. وغض البصر هو امتثال لأمر الله تعالى، ويورث القلب أنسًا وجمعية على الله، ويبعده عن التشتت.
ب. الحذر من ذنوب الخلوات
ذنوب الخلوات هي من أخطر الأسباب التي تُهلك العبد. ولعلاجها، يجب على المسلم أن يبتعد عن الخلوات قدر ما يستطيع، وأن يكون ضمن جماعة الصالحين، أو مع أهله، لئلا ينفرد بنفسه. إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي هي السبب في الانغماس في المحرم، فالحل هو قطعها؛ فالمرء لن يموت بسبب عدم استخدامها، وهذا من باب قطع الشرع والامتناع عن الأسباب.
ج. الابتعاد عن رفقاء السوء
المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. الصحبة الصالحة تعين المؤمن على الخير وتعد من أعظم أسباب الثبات على دين الله، أما صديق السوء فإنه يدفع صاحبه إلى المعصية. وقد كان النبي حريصًا على جمع إخوانه حتى في أشد مراحل الدعوة، فالشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
العلاج الإيماني: التوبة والإنابة إلى الله
لا يخلو ابن آدم من معصية مهما بلغ صلاحه. وإذا أخطأ الإنسان، فعليه أن يعلم أن باب التوبة مفتوح على مصراعيه، وأن الإقلاع عن المعصية والتوبة منها أمر واجب.
6. التوبة النصوح والفرح بعودة العبد (الكلمة المفتاحية الثانوية: التوبة النصوح)
التوبة الصادقة تُعد من أهم الأسباب التي تُبعد المسلم عن المعصية. فالله سبحانه وتعالى يحب التوابين. ويجب على المسلم التوبة إلى الله في كل لحظة يقع فيها في أي أمر.
أ. شروط التوبة وعلاماتها
التوبة تتضمن الإقلاع عن الذنب، والندم على ما مضى، والعزم على ألا تعود إليه. إذا اجتمعت هذه الشروط، فإن الله يفرح بعبده. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن المؤمن كلما أذنب تاب.
ب. قبول التوبة المتكررة
لا ينبغي للمسلم أن ييأس من التوبة إذا تكررت منه المعصية. إن الله تعالى يقبل التوبة مرة بعد مرة، بشرط أن تكون التوبة نصوحًا صادقة من قلب صادق، وألا تكون مجرد تظاهر بذلك. بل إن ود الشيطان لو ظفر من العبد بأن ييأس من التوبة، فلا ينبغي للمسلم أن يمل من الاستغفار مهما عاد. وقبول التوبة من المسلم العاصي المتكرر أولى من قبول توبة الكافر مرة بعد مرة. القصد هو أن يطمئن قلب المسلم بأن باب الرحمن مفتوح، وأن عفو الله أكبر من معصيتك.
ج. تبديل السيئات حسنات
من عظيم رحمة الله بعبده التائب، أنه يبدل سيئاته حسنات. فالتوبة النصوح تنقل جميع السيئات التي كتبها العبد إلى ميزان الحسنات.
7. الإكثار من الاستغفار
الاستغفار يختلف عن التوبة في درجته؛ فهو طلب العفو والحماية من الذنب. الاستغفار مأخوذ من "المغفر"، وهو ما يحمي الرأس من الضربات. فقولك "أستغفر الله" يعني: يا رب اعف عني، ويا رب احمني من ذنوبي. الاستغفار يقاوم الإصرار على المعصية، حتى لو لم يقدر الإنسان على التوبة بشروطها الكاملة.
العبادات المحصّنة: سبل الثبات وتكفير الإثم
هناك أعمال صالحة تُعد بمثابة دروع واقية وحصون منيعة تُعين المسلم على الثبات وتمنع الوقوع في الذنوب.
8. الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر
الصلاة هي عمود الدين. وقد أمر الله بإقامتها وبيّن أن في إقامتها انتهاءً عن فعل الفحشاء وارتكاب المنكر.
سر الصلاة في النهي عن المعصية: إن الصلاة تشتمل على مذكرات بالله من أقوال وأفعال، تكون كالواعظ الذي ينهى سامعه عن ارتكاب ما لا يرضي الله.
- الأقوال: تتضمن التكبير والتحميد والتسبيح والتوجيه بالدعاء والاستغفار وقراءة الفاتحة، وكلها تذكر بمرضاة الله والإقلاع عن عصيانه.
- الأفعال: هي خضوع وتذلل من قيام وركوع وسجود، وتذكّر بلزوم اجتلاب مرضاته والتباعد عن سخطه.
- الأعمال القلبية: النية واستعداد للوقوف بين يدي الله، وهذا يذكر بأن المعبود جدير بأن تُمتثل أوامره وتُجتنب نواهيه. إن الصلاة التي تؤدى بإخلاص، والهادفة إلى رضا الله، تستطيع مع الزمن إبعاد الإنسان عن الفحشاء وتجنبه الوقوع في المنكرات. وقد قال ابن عباس: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد بصلاته من الله إلا بُعداً".
9. الدعاء واللجوء إلى القوي
الدعاء أعظم علاج للمذنبين، وهو الذي يساعدهم على الرجوع إلى الله بصدق. والدعاء يورث التوفيق والعون على ترك الذنوب، وهو سلاح المؤمن. ومن أفضل أوقات الدعاء هو حال السجود، حيث أن الله يحب الإلحاح في الدعاء. وإذا وجد العبد صعوبة في ترك معصية معينة، فليلجأ إلى الله في السجود طالبًا العون، فإن العبد لا يهلك مع الدعاء. والدعاء الذي يتقدمه الذكر والثناء يكون أفضل وأقرب إلى الإجابة.
10. ذكر الله عز وجل والإكثار من الحسنات الماحية
ذكر الله نعمة كبرى وقوت للقلوب وروح للحياة. وقد أمر الله بذكره كثيرًا.
أ. فوائد الذكر كواقي من المعصية
للذكر نحو من مائة فائدة تعين على ترك الإثم، ومنها:
- يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
- يرضي الرحمن عز وجل.
- يزيل الهم والغم عن القلب ويجلب الفرح والسرور.
- يقوي القلب والبدن، حتى إن الذاكر ليفعل مع الذكر ما لم يطق فعله بدونه.
- ينور الوجه والقلب.
- جلاء القلب من صدئه، حيث إن القلب يصدأ بالغفلة والذنب، وجلاؤه بالاستغفار والذكر.
- يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه.
- يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة.
- يورث الإنابة والمراقبة، ويدعو إلى المراقبة والإحسان، ويورث القرب منه.
- سبب لنزول السكينة وغشيان الرحمة.
- أمان من الحسرة يوم القيامة.
- يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يطق فعله بدونه.
- يذهب عن القلب مخاوفه كلها ويؤمنه. إن أفضل الذكر هو ما تواطأ عليه القلب واللسان؛ لأن ذكر القلب يثمر المعرفة والمحبة والحياء، ويحث على المراقبة.
ب. اتبع السيئة الحسنة تمحها
إن الإكثار من الحسنات يُعد من الوسائل التي تُعين المسلم على عدم الوقوع في الذنوب، حتى لو كانت متكررة. وقد أشار القرآن إلى أن "الحسنات يُذهبن السيئات". الحسنة تغفر السيئة وتطردها من القلب، فهي مثل النور الذي يطرد ظُلمة السيئة. ومن أمثلة الحسنات التي تدفع السيئات:
- الوضوء والصلاة: الوضوء والصلاة بعدها ركعتان من أعظم الأعمال الصالحة.
- الصدقة وفعل الخير: مثل بناء المساجد، مساعدة الأرامل والأيتام.
- النشر الخيري: إذا غلبك الشيطان، فامسك جوالك وانشر الخير أو استمع للقرآن.
- إزالة الأذى: مثل إزالة شجرة أو حجر كان يؤذي الناس من الطريق، فإن هذا قد يكون سببًا للمغفرة.
11. الصحبة الصالحة (الكلمة المفتاحية الثانوية: الصحبة الصالحة)
تُعد الصحبة الصالحة من أعظم أسباب الثبات على دين الله والمعونة على الطاعة. فـ الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. والصديق الصالح يدلك على الخير ويعينك عليه، ويذكرك إذا غفلت، ويبعدك عن رفقاء السوء. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على أن يجتمع إخوانه في دار الأرقم ويصلوا جماعة في الشعب حتى في أشد مراحل الدعوة.
التذكير والترهيب: معرفة عواقب الذنوب وشؤمها
إن التفكر في عواقب المعاصي من أقوى الوسائل التي تُعين المسلم على عدم الوقوع في الذنوب. فالعبد كلما تفكر في النتائج المترتبة على الذنوب، استطاع تركها.
12. تذكّر شؤم المعصية في الدنيا (الكلمة المفتاحية الثانوية: عواقب الذنوب)
المعاصي لها آثار وثارات وعقوبات على جميع جوانب حياة العبد. وقد ذكر ابن القيم أن من عقوباتها المعجلة في الدنيا:
- قلة التوفيق وفساد الرأي وخفاء الحق.
- الوحشة بين العبد وبين ربه. وهذه الوحشة لا تقارنها لذة أخرى، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها.
- قسوة القلب وحرمانه من العلم.
- محق البركة في الرزق والعمر، وحرمان الأهل والمال من البركة.
- ضيق الصدر وطول الهم والغم وضنك المعيشة وكسف البال.
- الابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت.
- لباس الذل وإهانة العدو. فذل المعصية لا يفارق القلوب، وطاعة الله قرين العز.
وكذلك تذكّر الإنسان أن المعصية قد تكونُ سبباً في منعه من العلم والرزق والطاعة، وهي تمحق البركة في عُمره وأهله وماله، وهذه المعاصي قد تكون سبباً في دفعه إلى معاصٍ أُخرى، وكُلما كان الإنسانُ دائم التذكُّر للعواقب السيئة التي تحصلُ معه بسبب فعله للمعاصي كان أبعد عنها.
13. تذكّر الآخرة ومفاجأة الموت
إن تذكّر عواقب الآخرة هو من أقوى الروادع. وقد قال الله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
- تخيل مفاجأة الموت: ليتخيل الإنسان أن الموت قد يأتيه وهو يقارف المعصية. ويتذكر حينها تمني الميت الرجوع للحياة، لا ليستمتع بها، ولكن ليعمل عملًا صالحًا. إن تذكّر مرارة الموت وسكراته يذكر الإنسان بحاجته الماسة لمحو سيئاته وزيادة حسناته.
- تذكر الميزان: تذكر الميزان الدقيق الذي توزن به الحسنات والسيئات يوم القيامة. وليسأل نفسه عن طبيعة أعماله: هل هي طاعات توجب ثقل موازينه ليكون من المفلحين، أم سيئات توجب خفة موازينه ليكون من الخاسرين في جهنم.
التوبة النصوح وعدم اليأس: استراتيجية العودة الدائمة
إن الشيطان يضغط على الإنسان حتى يقع في المعصية، ثم إذا وقع فيها، يحبسه في سجنها ويغلق عليه الأبواب. لكن رحمة الله أكبر.
14. الإقلاع عن اليأس والقنوط
اليأس من رحمة الله هو حيلة الشيطان. فالله سبحانه وتعالى لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. اليأس والقنوط من صفات القوم الكافرين.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي قتل مائة نفس، ولكنه لم ييأس وذهب تائبًا إلى عالم. فقبضت ملائكة الرحمة روحه لأنه كان أقرب إلى قرية الصلاح بشبر، وذلك بفضل رحمة الله التي سبقت غضبه. وهذا دليل عظيم على أن الوسائل التي تُعين المسلم على عدم الوقوع في الذنوب تبدأ بعدم اليأس من التوبة.
خطوات عملية للثبات على الطاعة
لتحقيق الاستقامة على أمر الله وتجنب الانزلاق، يجب تطبيق هذه الوسائل بشكل منهجي، مستعينًا بالتفكر والمجاهدة.
- ضع خطوطك الحمراء (حقول الألغام): حدد الذنوب التي لا يجب الاقتراب منها أبدًا (الشرك، وحقوق العباد والدماء والأعراض والأموال، والمعاصي الإدمانية) التي كلما وقع فيها الإنسان يصعب عليه الرجوع.
- استشعر الذنب كالجبل: لا تجعل المعصية كالذباب يقع على أنفك فتطيره. بل استشعرها كجبل فوق رأسك، واستشعر دائمًا أن قلبك حي، وأن الذنب يؤلمك.
- غالب الإصرار بالاستغفار: قاوم الإصرار على المعصية بكثرة الاستغفار والدعاء بأن يتوب الله عليك.
- اكسر حاجز الخلوة: تجنب الانفراد بنفسك في الأماكن التي اعتادت فيها على المعصية. إذا كانت وسائل التواصل سببًا لقطعك عن الله، فاقطعها.
- التوبة فور السقوط: إذا ضعفت ووقعت في المعصية، فابدر فورًا إلى التوقف (الإقلاع) والندم والعزم على عدم العودة (التوبة).
- زاحم السيئة بالحسنة: اجعل الحسنة ضربة قاضية للشيطان. إذا فعلت سيئة، فبادر بعمل صالح بعدها (صلاة، صدقة، ذكر، قراءة قرآن، أو بر والدين) فإن الحسنات يذهبن السيئات ويطردن ظُلمة السيئة من القلب.
- انخراط في الصحبة الصالحة: ابحث عن إخوة مؤمنين متوضئين تطلب معهم العلم وتعبد الله معهم. وابتعد عن صديق السوء الذي يدفعك إلى المعصية، فإن الصحبة الصالحة من أعظم أسباب الثبات.
- داوم على الأذكار: حافظ على أذكار الصباح والمساء وباقي الأذكار الموظفة بقلب حاضر؛ فإن الذكر يطرد الشيطان ويزيل الهم والغم عن القلب.
الأسئلة الشائعة (FAQ) حول الابتعاد عن المعاصي
| السؤال (Q) | الإجابة (A) |
|---|---|
| Q1: ما هي أهم الوسائل التي تُعين المسلم على عدم الوقوع في الذنوب؟ | أهم الوسائل التي تُعين المسلم على عدم الوقوع في الذنوب تشمل الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والدعاء بصدق وإخلاص، والمجاهدة وصدق الإرادة لترك الهوى، والبعد عن أسباب المعصية كرفقاء السوء وغض البصر. |
| Q2: هل يغفر الله التوبة المتكررة من نفس الذنب؟ | نعم، يغفر الله التوبة المتكررة مادامت التوبة نصوحًا وصادقة من القلب. وقد قيل: "ودّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار". |
| Q3: ما الفرق بين التوبة النصوح والاستغفار؟ | التوبة النصوح هي الإقلاع عن الذنب والندم عليه والعزم على عدم العودة إليه، وهي تمحو الذنب وقد تبدله حسنات. أما الاستغفار، فهو طلب العفو من الله وحمايته من الذنب، حتى لو لم يستطع العبد الإقلاع التام في حينه، وهو يقاوم الإصرار. |
| Q4: كيف تؤثر الصحبة الصالحة على الاستقامة وتجنب الذنوب؟ | الصحبة الصالحة هي من أعظم أسباب الثبات، لأن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، كما أن الذئب يأكل من الغنم القاصية. فهم يدلونك على الخير ويعينونك على الطاعة، ويحذرونك من عواقب الذنوب. |
| Q5: هل تضر المعاصي إذا كانت بيني وبين الله ولم أجاهر بها؟ | نعم، تضر ولا بد. المعاصي لها عقوبات معجلة في الدنيا، كقلة التوفيق وفساد القلب والوحشة بين العبد وبين ربه. لكن التوبة النصوح تجعل الله يعفو عنها. |
لا تيأس ولا تقنط
إن الطريق إلى الاستقامة على أمر الله وتجنب الذنوب هو طريق المجاهدة والصبر الدائم. فالله عز وجل كتب علينا أن نذنب، لكنه سبحانه فتح لنا باب التوبة النصوح وجعل رحمته تغلب غضبه.
تذكر دائمًا أن الوسائل التي تُعين المسلم على عدم الوقوع في الذنوب متوفرة ومفتوحة: بالتقوى والحياء، وملازمة الصحبة الصالحة، والابتعاد عن الأسباب. ولو سقطت، فقم لله ثانية وثالثة، ولا تجعل الشيطان يحبسك في سجن اليأس. فالله عز وجل يحب التوابين ويفرح بعودة عبده إليه فرحًا عظيمًا.
عليك الآن البدء: لا تؤجل التوبة والاستغفار. شارك هذه الوسائل التي تُعين المسلم على عدم الوقوع في الذنوب مع من تحب، واجعلها خبيئة لك في ميزان حسناتك.
