في هذه الحياة يواجه الإنسان قرارات مصيرية وأموراً غيبية النتائج. قد نجد أنفسنا أمام مفترق طرق، لا ندري أيها يحمل الخير والسعادة في دنيانا وآخرتنا. لكن الشريعة الإسلامية الغرّاء لم تترك المؤمن حائراً أو متردداً. لقد شرع الله لنا صلاة عظيمة الأثر، هي صلاة الاستخارة، التي جعلها الله بديلاً عن ممارسات أهل الجاهلية القديمة، كالاستقسام بالأزلام والحجارة التي لا تنفع ولا تضر.
الاستخارة هي طلب الخيرة من الله عز وجل. إنها عبادة مهمة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليمها لأصحابه في الأمور كلها، تماماً كما كان يعلمهم السورة من القرآن. هذه الصلاة هي العلاج النبوي للتردد، وحلّ للمشكلة، لكي يتحول الشك إلى يقين، ويصبح المسلم مطمئن النفس، هادئ البال، راضياً بما قدر الله له.
إذا كنت تتساءل عن كيفية صلاة الاستخارة، وما هو وقتها الصحيح، وكيف تعرف الإشارة الإلهية بعدها، فهذا المقال هو دليلك الشامل لتعيش هذه العبادة العظيمة بالمنهج الشرعي السليم، بعيداً عن المفاهيم الخاطئة الشائعة التي قد تزيد الحيرة.
ما هي الاستخارة وما حكمها؟
الاستخارة لغة وشرعاً
تعني الاستخارة لغة طلب الخِيرة في الشيء. أما شرعاً، فهي طلب صرف الهمة لِما هو المختار عند الله والأولى. بعبارة أخرى، هي دعاء الله تعالى ليختار للمسلم خير الأمرين، ويصرف عنه شرهما.
صلاة الاستخارة هي عبادة، والغرض منها هو أن يسأل العبد ربه سبحانه وتعالى أن يختار له ما فيه الخير لدينه ودنياه.
حكم صلاة الاستخارة
أجمع العلماء على أن صلاة الاستخارة سنة مؤكدة. يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها. والدليل على مشروعيتها ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، حيث قال: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعلِّم السورةَ من القرآنِ". ومن سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله.
متى تشرع الاستخارة؟
لا تشرع الاستخارة في الأمور الواجبة أو المحرمة، بل تكون في الأمور المباحة التي يتردد فيها العبد، أو في فعل المستحبات وتركها.
من المفاهيم الخاطئة الشائعة اعتقاد البعض أن صلاة الاستخارة تشرع فقط عند التردد بين أمرين. والصحيح أن الاستخارة تشرع إذا همّ أحدكم بالأمر، أي إذا أراد المسلم أن يقوم بعمل معين قد عزم على فعله. فلم يقل الحديث "إذا تردد"، بل "إذا همّ".
فإذا أراد المسلم الإقدام على عمل ما، ولم يكن أمامه سوى خيار واحد، فليستخر الله على هذا الفعل ثم ليقدم عليه. ولو كان أمامه عدة خيارات، فعليه أولاً أن يستشير أهل العلم والاختصاص ممن يثق بهم، ثم يحدد خياراً واحداً فقط، فإذا همّ بفعله، قدّم بين يديه الاستخارة.
كما أن البعض يعتقد خطأً أن الاستخارة لا تشرع إلا في الأمور الكبيرة ذات الشأن العظيم، مثل الزواج أو السفر. وهذا اعتقاد غير صحيح، لأن الراوي في الحديث قال: "كان يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها". هذا العموم يشمل الأمور التي قد يراها البعض صغيرة أو حقيرة أو ليست ذات بال، لكن قد يكون لها أثر كبير في حياة الفرد.
كيفية صلاة الاستخارة ووقتها
إن كيفية صلاة الاستخارة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، تقوم على ركعتين من النافلة والدعاء بعدهما.
1. خطوة بخطوة كيفية صلاة الاستخارة (الركعتان)
تُصلى الاستخارة ركعتين من غير الفريضة. وصفتها هي كأي صلاة نافلة أخرى.
- النية: ينوي المسلم أن هاتين الركعتين هما صلاة الاستخارة للشيء الذي همّ به (سواء كان زواجاً، سفراً، شراء منزل، أو غير ذلك).
- القراءة: يقرأ المصلي في كل ركعة فاتحة الكتاب وما تيسر من القرآن.
- الاستحباب في القراءة: يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ"، وفي الثانية سورة "قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ". ويرى بعض العلماء أن يستحسن أن يزيد في الأولى على الفاتحة قولَه تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [القصص: 68-69]، وفي الركعة الثانية قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36].
- تداخل العبادات: من الأخطاء الشائعة الاعتقاد بأن صلاة الاستخارة لا بد لها من ركعتين خاصتين. لكن الصحيح أن قوله في الحديث: "من غير الفريضة" عام يشمل أي صلاة نافلة. فبالإمكان أن تُجزئ عنها نوافل أخرى مقصودة، مثل تحية المسجد، أو السنن الرواتب، أو صلاة الضحى، أو سنة الوضوء، مع بقاء نية هذه النوافل بالإضافة إلى نية الاستخارة.
2. كيفيه صلاه الاستخاره والدعاء
ذهب جمهور العلماء (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى أن الدعاء في صلاة الاستخارة يكون عقِبَ السلام من الصلاة. وحُكي الإجماع على ذلك. والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدعاء بعد لفظ "ثم" الذي يفيد الترتيب والتعقيب.
بعد الانتهاء من الركعتين والتسليم، يرفع المصلي يديه ويدعو بدعاء الاستخارة الوارد في الحديث الشريف.
نص دعاء الاستخارة:
«اللهمَّ إني أستخيرُك بعِلمك، وأستقْدِرُكَ بقُدرتِك، وأسألُك من فَضلِك العظيم، فإنَّك تَقدِرُ ولا أَقدِرُ، وتَعلمُ ولا أَعلمُ، وأنت علَّامُ الغيوب، اللهمَّ فإنْ كنتَ تَعلَمُ هذا الأمْرَ – (ثم تُسمِّيه بعَينِه) – خيرًا لي في عاجلِ أمْري وآجلِه – قال: أو في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمري – فاقْدُرْه لي، ويَسِّره لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهمَّ وإنْ كنتَ تعلمُ أنَّه شرٌّ لي في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمْري – أو قال: في عاجِلِ أمْري وآجِلِه – فاصْرِفني عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيثُ كانَ ثمَّ رضِّني به».
ملاحظة هامة حول الدعاء:
عند الوصول إلى عبارة "هذا الأمر"، يجب على المستخير أن يسمي حاجته بعينها، سواء كانت زواجاً، سفراً، أو غير ذلك.
3. تحديد وقت صلاة الاستخارة
ليس لصلاة الاستخارة وقت محدد في أي يوم أو ليلة. متى ما همّ المسلم بأمر وأراد الاستخارة، جاز له الصلاة.
الاستخارة في أوقات النهي:
لا تُصلَّى صلاةُ الاستخارةِ في أوقاتِ النَّهي. وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة، لعموم نصوص النهي عن الصلاة في هذه الأوقات.
أوقات النهي هي:
- من بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس.
- حين يقوم قائم الظهيرة (منتصف النهار) حتى تميل الشمس.
- من بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
الاستثناء من أوقات النهي: ذهب بعض أهل العلم إلى جواز أدائها في أوقات النهي إذا كانت الاستخارة في أمر مستعجل يفوت بالتأخير إلى وقت الإباحة. فإن كانت لسبب يمكن أن يتأخر، فإنه يجب أن تؤخر.
كيفية صلاة الاستخارة بين امرين: الاستشارة والتكرار
عندما يهمّ المسلم بأمر، قد يجد نفسه متردداً، وهنا يأتي دور الاستشارة وتكرار طلب الخيرة من الله.
دور المشاورة قبل الاستخارة أو بعدها
الاستشارة هي من الأخذ بالأسباب التي أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159].
يُستحب أن يستشير المستخير قبل الإقدام على الأمر من يثق بدينه وخبرته ونصيحته وشفقته. وقد قيل: "ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وثبت في أمره".
اختلف العلماء في ترتيب المشاورة والاستخارة:
- القول الأول (النووي): يُستحب الاستشارة قبل الاستخارة.
- القول الثاني (ابن باز وابن عثيمين): تشرع الاستخارة أولاً، ثم يستشير إخوانه الثقات المعروفين الذين يعتقد فيهم الخير. فإن لم ينشرح صدره بعد الاستخارة الأولى، يستشير.
الحاصل أن الاستخارة والمشورة هما عملان متكاملان، يجمعان بين اللجوء إلى علم الله اللامحدود، والاستفادة من خبرة البشر المحدودة.
هل يجوز تكرار الاستخارة؟
إذا صلى المستخير الاستخارة ومضى في أمره ولكنه لم يجد انشراحاً أو تيسيراً واضحاً، فهل يكرر صلاته ودعاءه؟
نص كثير من أهل العلم على جواز تكرار صلاة الاستخارة ما دام الأمر لم يتم، ولم يعزم المستخير على أحد الأمرين.
- الإلحاح في الدعاء: تكرار الاستخارة مشروع لأنها في الأصل دعاء، والدعاء يشرع فيه الإلحاح والتكرار. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا، دعا ثلاثاً.
- عدد مرات التكرار: قال بعض أهل العلم أنه يستحب تكرار الصلاة والدعاء حتى يظهر له الخير، وقد قيل سبع مرات، ولكن حديث أنس الذي ينص على التكرار سبع مرات هو حديث ضعيف جداً.
- الرأي الراجح: إذا لم ينشرح صدر المستخير لشيء وبقي متردداً، فإن الذي يظهر هو أن يكرر الصلاة حتى يظهر له الخير. وقد استدلوا بفعل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، حيث قال عند همّه بتجديد بناء الكعبة: "إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلَاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي".
- متى يتوقف التكرار؟ إذا انشرح صدره لشيء، أو عزم عليه، فلا يكرر الاستخارة؛ لأن هذا التكرار قد يكون أقرب إلى المفسدة منه إلى المصلحة، إذ يفتح أبواب القلق والتردد. فإذا اطمأن القلب وعزم على الأمر، فالواجب هو التوكل على الله.
كيفية صلاة الاستخارة إذا تعذرت الصلاة؟
قد يجد المسلم نفسه في مكان عام أو في الشارع أو في حالة لا تمكنه من أداء الركعتين.
إذا تعذر على المسلم الصلاة لسبب من الأسباب، فلا حرج عليه من دعاء الله تعالى أن ييسر له خير الأمرين من غير صلاة. قال الإمام النووي رحمه الله: "ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء". فالاستخارة هي في الأساس دعاء وطلب الخيرة.
مفاهيم خاطئة شائعة يجب تجنبها
على الرغم من أهمية الاستخارة وعِظَم أثرها، إلا أن كثيراً من الناس قد زهد فيها أو مارسها بطرق خاطئة بسبب مفاهيم شاعت دون دليل من كتاب أو سنة. لضمان تطبيق كيفية صلاة الاستخارة بطريقة صحيحة، يجب تصحيح هذه المفاهيم.
الخطأ الأول: انتظار الانشراح القلبي المباشر
يعتقد بعض الناس أنه لا بد من انشراح الصدر والراحة التامة تجاه الأمر بعد الانتهاء من الاستخارة. وهذا الاعتقاد لا دليل عليه.
حقيقة الاستخارة تفويض الأمر لله، حتى وإن كان العبد كارهاً لهذا الأمر في بادئ الأمر. فالله عز وجل يقول: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].
هذا الاعتقاد الخاطئ جعل الكثيرين يقعون في حيرة وتردد حتى بعد صلاتهم، وربما كرروا الاستخارة مراراً دون أن يزدادوا إلا حيرة. الاستخارة إنما شرعت لإزالة هذا التردد والاضطراب. قد يشعر المرء بالراحة أو عدمها، وقد لا ينتابه أي شعور على الإطلاق، لكن هذا لا يجب أن يردده.
الخطأ الثاني: انتظار رؤيا أو حلم
من الأخطاء الشائعة والمنتشرة بين الناس، اعتقاد أن العبد لا بد أن يرى رؤيا (منام) بعد الاستخارة تدله على الصواب، وربما توقف عن الإقدام على العمل انتظاراً لهذه الرؤيا.
هذا الاعتقاد لا دليل عليه إطلاقاً. فقد لا تكون هناك رؤيا أو حلم، وهذا لا يؤثر على صحة الاستخارة. بل الواجب على العبد بعد إتمام الاستخارة أن يبادر إلى العمل مفوضاً الأمر إلى الله تعالى. فإن رأى رؤيا صالحة تبيّن له الصواب، فذلك نور على نور، وإلا فلا ينبغي له انتظار ذلك.
النتيجة الحقيقية للاستخارة: التيسير أو التعسير
إن المعول عليه في الاستخارة، والنتيجة الصحيحة لها، إنما هي التيسير أو التعسير والمشقة في الأمر.
- إذا كان الأمر خيراً له: فسيجد الأمور سهلة وميسرة، وليست هناك تعقيدات أو مشاكل كبيرة، وسيجد الأمور تسير بطريقة إيجابية.
- إذا لم يكن في الأمر خير له: فسيجد هناك من العقبات والمشاكل ما لم يخطر له على بال، وسيجد الأمور تتوقف على أتفه الأسباب.
بمجرد الانتهاء من كيفية صلاة الاستخارة والدعاء، يمضي المسلم في حاجته ويتوكل على الله. فإذا عزم على الفعل، وجب عليه التوكل على الله.
الخطأ الثالث: النيابة في صلاة الاستخارة
لا تشرع النيابة في صلاة الاستخارة. فالاستخارة متعلقة بنفس المستخير الذي يريد أن يفعل أو يهمّ بالأمر. فلا يجوز أن يصلي الإنسان الاستخارة لغيره، حتى لو وكله وقال له: "استخر الله لي".
على الرجل أو المرأة أن يستخير كل منهما لنفسه. وإن كان لا يعرف الدعاء الوارد في الحديث، فليسأل ربه بلهجته: "اللهم يسر لي الأصلح، اللهم اشرح صدري للأصلح، الأحب إليك بما فيه نفعي وصلاحي".
كيفية صلاة الاستخارة في الحياة اليومية
لتطبيق كيفية صلاة الاستخارة والاستفادة منها بشكل كامل، اتبع هذه الإرشادات:
1. التطهير والوضوء
تأكد من طهارتك ووضوئك للصلاة.
2. اختيار الوقت المناسب (كيفية صلاة الاستخارة ووقتها)
إذا لم يكن الأمر مستعجلاً، تجنب أوقات النهي الشرعي الثلاثة (بعد الفجر حتى ارتفاع الشمس، عند قائم الظهيرة، وبعد العصر حتى الغروب). أفضل الأوقات هي في غير هذه الأوقات، وخصوصاً في الثلث الأخير من الليل حيث تكون مظنة إجابة الدعاء.
3. ركعتا النافلة (كيفية صلاة الاستخارة)
صلِّ ركعتين من غير الفريضة. يمكنك ضم نية الاستخارة إلى صلاة نافلة أخرى (مثل سنة الوضوء أو تحية المسجد).
4. الدعاء بقلب خاشع (كيفيه صلاه الاستخاره والدعاء)
بعد التسليم من الصلاة، ارفع يديك للدعاء وتضرع إلى الله. اقرأ دعاء الاستخارة، وعند الوصول إلى عبارة "اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر..." سمِّ حاجتك بوضوح (كالزواج بفلان، أو السفر إلى بلد كذا).
5. التوكل والمضي في الأمر (ماذا بعد الاستخارة؟)
بعد الاستخارة، والتشاور مع أهل الخبرة (إذا لزم الأمر)، امضِ في طريقك ولا تنتظر رؤيا أو انشراحاً مفاجئاً. اعمل بما انشرح له صدرك أو بما كنت تنوي فعله. اجعل شعارك قول الله تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: 159].
الخلاصة: إن التيسير أو التعسير هو علامة الخير. فإن تيسرت الأمور وسهل طريقها، فاعلم أن الله قد اختار لك الخير، حتى لو خالفت رغبتك الظاهرة.
كيفية صلاة الاستخارة للزواج (نموذج تطبيقي)
تعد الاستخارة في الزواج من أهم الأمور التي يلجأ إليها الناس. يتضمن تطبيق كيفية صلاة الاستخارة في هذا الشأن التالي:
- المشاورة (الأخذ بالأسباب): يجب على طالب الزواج أو طالبته ألا يكتفي بالصلاة والدعاء، بل يبحث ويسأل ويستشير أهل النصيحة والمعرفة عن الشخص المتقدم (أو المتقدم إليها).
- أداء الركعتين: يصلي ركعتين نافلتين بنية الاستخارة للزواج من الشخص المعين.
- الدعاء والتسمية: يدعو بالدعاء الشريف بعد السلام، ويسمي حاجته: "اللهم إن كنت تعلم أن زواجي من فلان بن فلان خير لي...".
- المضي والتوكل: بعد ذلك، يتوكل على الله ويمضي في إجراءات الخطبة أو إتمام الزواج.
في قصة فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، عندما خطبها معاوية وأبو جهم، أمرها الرسول صلى الله عليه وسلم بالنكاح من أسامة بن زيد رغم أنها كانت كارهة له في البداية، ولكنه قال لها: "فجعلَ اللهُ في ذلك خيرا واغْتبَطْتُ به". وهذا دليل على أن الاستخارة تضمن الخير حتى لو لم يكن القلب منشرحاً في البداية.
ملاحظة حول تكرار الاستخارة للخطبة والزواج: إذا استخارت الفتاة للخطبة واطمأنت نفسها للقبول ومضت الخطبة، فإن هذه الاستخارة تكفي عن الاستخارة للزواج نفسه، ولا ينصح بتكرارها ما دامت قد اطمأنت للأمر، لأن التكرار هنا قد يفتح أبواب التردد والقلق.
الأسئلة الشائعة
س1: ما هي كيفية صلاة الاستخارة ووقتها المفضل؟
كيفية صلاة الاستخارة تبدأ بركعتين من غير الفريضة، يقرأ فيهما المصلي الفاتحة وما تيسر من القرآن، ثم يدعو بالدعاء المأثور الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام من الصلاة. ليس لها وقت محدد، ولكن يستحب تجنب أوقات النهي الشرعي. يمكن أداؤها في أي وقت من اليوم أو الليل ما لم يكن من أوقات النهي المعروفة.
س2: هل يمكن كيفيه صلاه الاستخاره والدعاء بدون صلاة إذا كنت في مكان عام؟
نعم، إذا تعذرت عليك الصلاة لسبب من الأسباب (مثل أن تكون في الشارع أو في مكان غير مهيأ للصلاة)، فيجوز لك أن تستخير الله تعالى بالدعاء فقط دون صلاة الركعتين. الحكمة من تقديم الصلاة على الدعاء هو أن تكون الصلاة أقرب إلى الإجابة وأدعى للقبول؛ لأنها قرع لباب الملك.
س3: هل يجب صلاة الاستخارة بين امرين أم تكفي لشيء واحد؟
صلاة الاستخارة تشرع إذا همّ أحدكم بالأمر، سواء كان هذا الأمر خياراً واحداً فقط ينوي فعله، أو كان يتردد بين خيارات متعددة. الحديث النبوي لم يقيدها بالتردد بين أمرين. وفي حال وجود عدة خيارات، ينصح أولاً بالاستشارة وتحديد خيار واحد، ثم الاستخارة عليه.
س4: هل يجب أن أرى رؤيا أو أشعر بالراحة لمعرفة نتيجة الاستخارة؟
لا، ليس شرطاً ولا دليلاً على صحة الاستخارة أن ترى رؤيا أو تشعر بانشراح القلب. هذه مفاهيم خاطئة. النتيجة الحقيقية للاستخارة تعرف من خلال التيسير والسهولة في إتمام الأمر، أو التعسير والعقبات التي تصرفه عنك. التوكل على الله والمضي في الأمر هو الواجب بعد الدعاء.
التوكل على الله بعد أداء صلاة الاستخارة
في الختام، إن كيفية صلاة الاستخارة ليست مجرد أداء لركعتين ودعاء، بل هي منهج حياة يقوم على تفويض الأمر كله لعلام الغيوب. هي اعتراف صريح من العبد بضعفه وعجزه، ولجوء إلى علم الله وقدرته.
لقد رأينا أن الفائدة من هذه العبادة لا تكمن في انتظار شعور عاطفي أو حلم عابر، بل في التوكل المطلق على الله. فما دام الأمر لم يتم، واستقر رأيك على المضي قدماً فيه بعد الصلاة والمشاورة، فاعلم أن الله سيسر لك ما فيه الخير، أو سيصرف عنك ما فيه الشر.
تذكر أن الاستخارة شرعت لإزالة التردد. فإذا انتهيت من كيفيه صلاه الاستخاره وماهو الدعاء، فاعزم على أمرك وتوكل على خالقك، فإن الله يحب المتوكلين.
شاركنا برأيك: ما هي أهم الأمور التي تستشعر فيها أهمية اللجوء إلى الله تعالى في حياتك اليومية؟ شاركنا بتعليقك أو شارك هذه المقالة مع من يحتاجها لتعم الفائدة.
