دعاء السفر كامل أحكام وآداب وتوجيهات شرعية لرحلة آمنة ومباركة

دعاء السفر كامل أحكام وآداب وتوجيهات شرعية لرحلة آمنة ومباركة
دعاء السفر كامل

السفر بتعدد أغراضه من طلب الرزق أو العلم أو أداء المناسك كالحج والعمرة أو حتى للسياحة، هو فطرة عميقة في النفس البشرية تجعل الإنسان محباً للترحال والانتقال من مكان إلى آخر. لقد أصبح السفر متعة وراحة وأُنسًا للكثيرين، فهم يتنقلون طلبًا لمرغوب أو فرارًا من مرهوب كالمرض أو الخوف. وفي خضم هذه الرحلات، تظهر أهمية العلم والبصيرة بأحكام العبادات في كل من الإقامة والظعن (أي السفر).

إن المسافر يجد في رحلته فرصة للتأمل والتفكر في ملكوت الله، سواء كان في الجو أو البر أو البحر. وهو كذلك موطن للتفكر في النفس ومحاسبتها، وتذكر السفر الأخير إلى دار الآخرة، وهي دار القرار: إما نعيم وإما نار. ولهذا، وضع الإسلام أحكامًا وآدابًا شاملة تضبط هذه الرحلة، وتجعل منها عبادة وسياحة، وحريٌ بالمسلم أن يكون على دراية تامة بهذه التوجيهات ليتمكن من عبادة الله وفق شرعه وليتجنب الوقوع في الزلل والخلل. ويأتي دعاء السفر في مقدمة هذه التوجيهات كحصن روحي للمسافر.

متى يقال دعاء السفر؟ وضابط الترخص

من المهم للمسافر أن يعرف متى يبدأ بالذكر ومتى تبدأ رخص السفر الشرعية.

وقت قراءة دعاء السفر: على الركوب أم عند السير؟

يُشرع قول دعاء السفر إذا استوى المسافر على وسيلة نقله (سواء كانت دابة قديمة، أو دعاء السفر بالسيارة، أو دعاء السفر بالطائرة) عند بداية السفر، أي عند الركوب الذي يتبعه خروج للسفر. والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبّر ثلاثًا ثم قال الدعاء المأثور.

وإذا نسي المسافر ذكر الركوب في أوله، فإنه يأتي به في أثنائه، قياسًا على البسملة في الوضوء.

هل يُقال دعاء الركوب سفراً وحضراً؟

اختلف العلماء حول استحباب قول دعاء الركوب (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا) في التنقلات القصيرة داخل البلد (مثل الذهاب من المنزل إلى العمل، أو نزهة قصيرة)، أم يقتصر على السفر الشرعي فقط.

  1. رأي القصر على السفر: ذهب الشيخ عبد العزيز بن باز إلى أن دعاء الركوب يستحب عند الركوب لـ قصد السفر (بالسيارة أو الطائرة أو الباخرة)، أما الركوب العادي داخل البلد أو المصعد، فلا دليل على شرعيته في الأدلة الشرعية.
  2. رأي التعميم: ذهب الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين إلى أن ظاهر القرآن يدل على أن الإنسان كلما ركب على البعير، أو السيارة، أو القطار، أو السفينة، يقول: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ.

ويمكن القول بأن دعاء الركوب يقال سفراً وحضراً، أما دعاء السفر الكامل المأثور فيقال عند الخروج للسفر.

الضابط الشرعي لـ السفر الذي تشرع فيه الرخص

السفر الذي يبيح الرخص (كالقصر والجمع في الصلاة) هو كل ما عدّه الناس سفرًا وعرفوه كذلك. وقد ضعف المحققون من أهل العلم (كابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين) القول بتقييده بمسافة محددة، لعدم ورود الدليل الصريح على ذلك، ولأن أدلة السفر مطلقة في الترخص.

ومع ذلك، حدد بعض العلماء المعاصرين (كالشيخ ابن باز وكثير من المعاصرين) المسافة بما زاد على ثمانين كيلومترًا تقريبًا، ورأوا أن هذا هو الضابط الأضبط لحال الناس.

بداية الترخص: يبدأ المسافر بالترخص في أحكام السفر (كالقصر والجمع) إذا فارق بنيان بلده الذي يسكنه أهله طوال العام. ولا يُشترط ألا يرى المنازل بالبصر، بل العبرة هي المفارقة بالبدن.

دعاء السفر كامل مكتوب: الألفاظ والمعاني

يعد دعاء السفر من الأذكار العظيمة التي يستهل بها المسلم رحلته، مستودعًا ربه دينه وأمانته وأهله.

نص دعاء السفر المأثور

ورد دعاء السفر مكتوب كامل في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبّر ثلاثًا ثم قال:

"الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ".

وقد ورد في بعض الروايات زيادة "وَالوَلَدِ" بعد المال والأهل.

المعاني العميقة لـ دعاء السفر

هذا الدعاء برنامج متكامل، يجمع بين الثناء على الله وطلب العون منه والاستعاذة من الشرور:

  1. "سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ": التسبيح لله على نعمة تذليل المركوبات (سواء كانت دابة أو دعاء السفر بالطائرة)، والاعتراف بأننا ما كنا نطيق قهر هذه المركوبات واستعمالها لولا تسخير الله تعالى إياها لنا.
  2. "وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ": تذكير المسافر بالعودة والرجوع إلى الله بعد الموت، فالسفر في الدنيا يذكر بالرحلة إلى الآخرة.
  3. "البِرَّ والتَّقْوَى": سؤال الله أن يلزم العبد الطاعة (البر) وأن يبتعد عن المعصية (التقوى) في رحلته.
  4. "هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ": سؤال الله تيسير السفر وتقريب مسافته.
  5. "أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ": إقرار بأن الله هو الحافظ والمعين للمسافر في رحلته، وهو الحارس لأهله وعياله من بعده.
  6. "وَعْثَاءِ السَّفَرِ": الاستعاذة من شدة السفر ومشقته وتَعَبه.
  7. "كَآبَةِ الْمَنْظَرِ": هي الاستعاذة من تغير النفس بالانكسار والحزن مما يعرض للمسافر من مناظر أو أحداث تورث الهم.
  8. "سُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ": الاستعاذة من أن يرجع المسافر فيجد في ماله أو أهله ما يسوؤه ويحزنه.

دعاء الرجوع من السفر: التوبة والحمد

إذا رجع النبي صلى الله عليه وسلم من سفره قالهن (الأدعية السابقة) وزاد فيهن:

"آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ".

معاني الزيادة:

  • "آيِبُونَ": أي نحن راجعون من السفر سالمين.
  • "تَائِبُونَ": أي تائبون من المعصية إلى الطاعة، وهي إشارة إلى التوبة وطلب المغفرة من أي تقصير قد يحدث في العبادة أثناء السفر.
  • "عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ": أي مبالغون في عبادة الله ومثنون عليه وشاكرون لنعمه وأفضاله.

ويُستحب أن يقول المسافر هذه الزيادات عندما يُشرف على بلده الراجع إليه. كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل (رجع) من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف (مرتفع) ثلاثًا ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون. صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".

آداب وتوجيهات شرعية قبل وأثناء السفر

السفر مدرسة لتربية النفس على الصبر واكتشاف المعادن، وقد أرشد الشرع إلى آداب تضمن سلامة الرحلة من الناحية الدينية والمادية.

1. الإعداد الروحي والمالي قبل الرحلة

  • التوبة وقضاء الحقوق: يجب على المسافر المبادرة بالتوبة من الذنوب والخروج من مظالم الناس.
  • كتابة الوصية والدين: يستحب أن يكتب وصيته وما عليه من ديون ويشهد على ذلك، لأن السفر مظنة للتعرض للآفات أكثر من الحضر.
  • النفقة الطيبة: يترك نفقة حلالاً لأهله ولمن تلزمه نفقته.
  • تحديد الأهداف: حاول تحديد أهداف الرحلة الأساسية والجانبية (سواء كان دعاء السفر للعمل أو العلم أو السياحة)، ووضع خطة لذلك، وكتابة ما يحتاج إليه من أغراض وكتب.
  • التوديع و دعاء السفر استودعكم الله: يستحب أن يودع المسافر أهله وجيرانه وأصحابه. ويستحب أن يقول المقيم للمسافر:
    • "أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك".
    • "زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيثما كنت".
    • ويستحب أن يقول المسافر للمقيم: "أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه". وحكمة دعاء المقيم للمسافر بـ "استودع الله دينك" أن السفر مظنة للتقصير والتساهل في أمور الدين بسبب المشقة وعدم وجود رقيب.
  • صلاة ركعتين قبل الخروج: يستحب للمسافر عند خروجه من منزله أن يصلي ركعتين، لحديث: "ما خلَّف أحد أهله بأفضل من ركعتين يركعهما حين يريد سفرًا".

2. آداب القيادة والصحبة في الطريق

  • اغتنام الأوقات: يستحب اغتنام وقت السفر في القراءة والتعلم. كان الشيخ ابن باز رحمه الله يغتنم وقت ركوبه الطائرة أو السيارة بقراءة الكتب والمعاملات التي تُعرض عليه، فلا يضيع وقته في الرحلة.
  • اجتناب الوحدة: يكره سفر الإنسان لوحده إذا وجد صاحبًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده". فالوحدة مظنة تسلط اللصوص ووقوع الفتن. وإذا كان الطريق مليئًا بالمسافرين والمحطات، فهذا لا يدخل في النهي.
  • حسن العشرة في السفر: يستحب للمسافر كظم الغيظ وبذل الزاد. ويجب حسن العشرة للزوجات حتى في السفر (كـ دعاء السفر لزوجي)، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أهله ويخفف عنهم.
  • التنافس في خدمة الإخوان: يستحب للمسافر أن يؤثر نفسه بالفضل في خدمة رفقائه، كما كان يفعل السلف. ولا ينبغي له أن يتميز على إخوانه.
  • تجنب الكلب والجرس: لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس. ويجوز حمل الكلب للحراسة أو الصيد أو الزرع. ويُكره اتخاذ جلود النمور واستصحابها في السفر.

3. سنة التأمير في السفر

من السنن المؤكدة في السفر تعيين أمير للرفقة إذا كانوا ثلاثة فصاعدًا.

  • الحكم: قيل بالوجوب (ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين)، وقيل بالاستحباب (ورجحه النووي وابن باز).
  • الفائدة: منع الركب من التشتت والفوضى والاختلاف، وقيادتهم لما فيه الخير والصلاح.
  • حدود الطاعة: تجب طاعة الأمير فيما يتعلق بأمور السفر (كإصلاح الطعام والنزول في مكان معين). أما ما لا يتعلق بأمور السفر فلا تجوز منابذته فيه. ولا يجوز للأمير أن يشق عليهم بما لا يطيقون.
  • مسؤوليات الأمير: النظر في مصلحة القوم، والتواضع، والمشاركة في الأعمال. وأن يكون رفيقًا بهم ولا يشق عليهم. ويستحب أن يكون آخر الركب صعودًا وسيرًا ليتفقد الضعيف ويردفه.

أحكام السفر المتعلقة بالصلاة والصيام

السفر يفتح للمسلم أبوابًا من الرخص التخفيفية في العبادات، ومن أهمها القصر والجمع.

1. أحكام الصلاة للمسافر

قصر الصلاة وجمعها

  • قصر الصلاة: هو سنة مؤكدة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم. يقصر المسافر الصلاة الرباعية (الظهر، العصر، العشاء) إلى ركعتين، ولا تقصر الفجر والمغرب. والإتمام جائز لكنه مكروه، والسنة هي القصر.
  • جمع الصلاة: يجوز للمسافر أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو جمع تأخير. والجمع مشروع للمسافر السائر، ويجوز للنازل عند عدم المشقة، لكن الأحوط ترك الجمع للنازل.

أحكام متفرقة في الصلاة

  • بداية القصر والجمع: إذا دخل على المسافر وقت الصلاة وهو مازال في بلده، فلا يجوز له القصر أو الجمع إلا إذا خشي خروج وقت الصلاة الثانية (كالظهر مع العصر) ولا يستطيع النزول للصلاة (كالمسافر في الطائرة أو النقل الجماعي).
  • الرواتب والنوافل: لا تشرع رواتب الصلاة الرباعية في السفر (راتبة الظهر والعصر والمغرب والعشاء). أما ركعتا الفجر والوتر وقيام الليل والضحى والرواتب ذات الأسباب (كسنة الوضوء وتحية المسجد) فتشرع في السفر.
  • الصلاة في الطائرة ( دعاء السفر بالطائرة ):
    • النوافل: يصليها الراكب على أي حال كان، قاعدًا أو قائمًا، يومئ بالركوع والسجود، وعلى أي جهة كانت.
    • الفرائض: يجب أداؤها في الطائرة إن خشي خروج الوقت. وإن أمكنه استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود في مصلى الطائرة، صلى كذلك. وإن لم يستطع، صلى وهو جالس يومئ بالركوع والسجود.
  • ائتمام المسافر بالمقيم: يصح قصر صلاة المسافر خلف الإمام المقيم، سواء دخل في أول الصلاة أو آخرها. ويلزمه إتمام الصلاة أربعًا ما دام مقتديًا بإمام مقيم.

2. أحكام الصيام للمسافر

  • جواز الإفطار: يجوز للمسافر الفطر في رمضان، وهي رخصة من الله، والأفضل أن يفطر عند وجود المشقة.
  • مسألة غروب الشمس في الطائرة: إذا ركب المسافر الطائرة قبل غروب الشمس واستمر معه النهار بسبب ارتفاعه، فلا يفطر ولا يصلي المغرب إلا بعد غروب شمس الجو الذي هو فيه. وال يفطر حتى لو نزل في بلد أهلها أفطروا وهو يرى الشمس في سمائها.
  • وصول المفطر إلى بلده: إذا وصل المسافر إلى بلده وهو مفطر في نهار رمضان، يلزمه الإمساك بقية اليوم.
  • دعاء المسافر مستجاب: من أعظم فضائل السفر أن دعاء المسافر مستجاب. وقد ورد أن ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر. وهذا دليل على أن السفر عمومًا، سواء كان للطاعة أو لمجرد الأمور المباحة، هو سبب لإجابة الدعاء؛ لأن السفر مظنة انكسار النفس وتحمل المشاق.

أحكام وآداب في المناسك وزيارة البقاع

إذا كان السفر لأداء العبادات (الحج والعمرة) أو لزيارة بعض الأماكن المباركة، فله آداب وأحكام خاصة.

العمرة والإحرام

  • الإحرام في الطائرة: إذا كان المسافر بالطائرة يريد الحج أو العمرة، فإنه يغتسل في بيته. وعندما تقترب الطائرة من محاذاة الميقات، يلبس ثياب الإحرام (إن لم يكن لبسها من قبل)، وعند محاذاة الميقات ينوي الدخول في النسك ويلبي بما نواه.
  • تجاوز الميقات ناسيًا: من غلبه النوم ولم يستيقظ إلا بعد تجاوز الميقات ولم يكن لابسًا لثياب الإحرام، يلزمه الرجوع إلى ميقات بلده أو أقرب ميقات يحرم منه. فإن لم يستطع فعليه دم.
  • إحرام الحائض: إذا مرت المرأة بالميقات وهي حائض، وغلب على ظنها أنها ستطهر في مكة، فإنها تحرم وتدخل مكة وتنتظر حتى تطهر وتعتمر. وإذا لم تدرِ هل ستطهر أم لا، فلها أن تحرم وتشترط بقولها: "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني".

آداب المسجد الحرام والنبوي

  • الطواف للمحدث: اشترط كثير من أهل العلم الطهارة للطواف. ورجح آخرون (كابن تيمية وابن عثيمين) عدم اشتراط الطهارة من الحدث الأصغر، لعدم ورود الدليل الصحيح الصريح في الوجوب، ولأن التواطؤ على ترك نقل وجوبها غير وارد.
  • ركعتا الطواف: هما سنة، وتجوز صلاتهما في أي مكان في المسجد الحرام، ويقرأ فيهما بالركعة الأولى قل يا أيها الكافرون، وفي الثانية قل هو الله أحد.
  • زيارة المسجد النبوي: يستحب السفر لزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، ولكن لا يجوز السفر لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه التخصيص. بل السفر يكون للمسجد، وعند الوصول يُزار القبر.
  • زيارة القبر النبوي: تستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والتسليم عليهما. ويجب ألا يرفع الصوت عند القبر، ولا يطيل القيام، ولا يجوز الدعاء لنفسه عند القبر رجاء القبول والإجابة.

أدعية المسافر لنفسه ولأهله

دعاء السفر هو الذكر الجامع في بداية الرحلة، ولكن هناك أذكار واستعاذات أخرى مهمة في السفر.

الاستعاذات المكملة لـ دعاء السفر

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ كذلك من:

  • وَعْثاءِ السَّفرِ: أي شدته ومشقته وتَعَبه.
  • كآبةِ المُنْقَلَبِ: وهي سوء المنظر في المال والأهل عند العودة.
  • الحَوْرِ بَعْد الكَوْنِ: أي من النقصان بعد الزيادة، وتغيّر الحال من الطاعة إلى المعصية، والاستعاذة من الانتكاس بعد الاستقامة.
  • دَعْوةِ المَظْلُومِ: خصت في دعاء السفر لكونه مظنة البلايا والمشقة، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.

أذكار النزول والأسحار للمسافر

  • الدعاء عند صعود ونزول المرتفعات: يستحب للمسافر إذا صعد علوًا (مرتفعًا) أن يكبّر، وإذا نزل هبوطًا (منزلاً) أن يسبح.
  • الدعاء إذا نزل منزلاً: يستحب للمسافر إذا نزل منزلاً أن يقول: "أَعُوذُ بِكَلِمات اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ"؛ فمن قالها لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك.
  • دعاء السحر: يستحب للمسافر إذا كان في وقت السحر (قبل الفجر) أن يقول: "سَمَّعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَحُسْنِ بَلائِهِ عَلَيْنَا، رَبَّنَا صَاحِبْنَا، وَأفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذًا بِاللـهِ مِنَ النَّارِ".

دعاء السفر لنفسي

السفر هو فرصة عظيمة لكثرة الدعاء والاستغفار، والاستفادة من استجابة دعاء المسافر لنفسه.

  1. التعجيل بالرجوع: يستحب التعجل في الرجوع إلى الأهل عند انقضاء الحاجة، لحديث: "السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله". والإقامة عند الأهل راحة معينة على صلاح الدين والدنيا.
  2. صلاة ركعتي القدوم: يستحب للقادم من سفره أن يصلي ركعتين في المسجد أول قدومه.
  3. حسن النية: تؤجر على قدر نيتك وعملك في السفر؛ فسفرك للعبادة ونفقتك فيه تؤجر عليها، وإن كان سفرًا محرمًا فنفقتك وزر عليك.
  4. تجنب طرق الأهل ليلاً: يُنهى عن دخول الرجل على أهله ليلاً إذا أطال الغيبة، لئلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم، ولإتاحة الفرصة للمرأة للتنظف والتزين. ويزول النهي بإخبارهم بالمجيء بالهاتف.
  5. القيام للقادم من السفر: من الأخلاق المستحبة القيام للقادم من السفر ومعانقته وزيارته.
  6. الوليمة عند القدوم: يستحب عمل وليمة لمن قدم من سفر، وتسمى "النقيعة".

أسئلة شائعة حول دعاء السفر والأحكام المرتبطة به 

س1: ما هو نص دعاء السفر كامل مكتوب وهل هو واجب؟

ج: نص دعاء السفر كامل هو: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ. اللهم إنا نسألُكَ في سفرنا هذا البرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعْثاءِ السفر، وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل". وعند الرجوع يزيد: "آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون". ودعاء السفر ليس بواجب، وإنما تسن قراءته في كل سفر يسميه الناس سفرًا.

س2: متى يقال دعاء السفر قصير ومتى يقال دعاء الرجوع من السفر؟

ج: يُقال دعاء السفر عند بداية الركوب والاستواء على واسطة النقل (سواء كان دعاء السفر سيارة أو دعاء السفر بالطائرة) عند قصد السفر. أما دعاء الرجوع من السفر فيقال عند بداية العودة منه، ويستمر المسافر بقوله إذا أشرف على بلده الراجع إليه.

س3: لماذا يعتبر دعاء المسافر لنفسي مستجاباً؟

ج: دعاء المسافر مستجاب لورود ذلك في الحديث النبوي الصحيح الذي عده من الثلاث الدعوات المستجابات لا شك فيهن (مع دعوة الوالد والمظلوم). وسبب استجابته أن السفر مظنة لحصول انكسار النفس وتحمل المشاق.

س4: هل يجب القصر والجمع في الصلاة عند السفر؟ وما هو الحد الأدنى لـ دعاء السفر؟

ج: قصر الصلاة (جعل الرباعية ركعتين) سنة مؤكدة وليس بواجب. أما الجمع، فيجوز للمسافر إذا جدّ به السير أو وُجدت مشقة. والحد الأدنى لـ دعاء السفر الذي ينبغي قوله عند الركوب هو "سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ".

س5: ما هو دعاء السفر استودعكم الله وما هو دعاء المقيم للمسافر؟

ج: يستحب أن يقول المسافر للمقيمين: "أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه". أما دعاء المقيم للمسافر (دعاء توديع المسافر)، فهو: "أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك".

دعاء السفر مفتاح البركة والأمان

إن رحلة السفر في شريعتنا الغراء هي موطن للتزود بالتقوى والبر، وميزان يظهر أخلاق الرجال. والحرص على دعاء السفر بألفاظه المأثورة يمثل استشعارًا لعظمة الله وتوكلاً عليه؛ فهو الصاحب في السفر والخليفة في الأهل.

إذا كان دعاء المسافر مجابًا، فمن أولى ما يدعو به المسافر لنفسه هو طلب البر والتقوى، والاستعاذة من وعثاء السفر ومن سوء المنقلب في المال والأهل. كما يجب ألا نغفل عن الآداب الشرعية، مثل اختيار الرفقة الصالحة، أو تعيين أمير للرحلة لتنظيم شؤونها.

اجعلوا رحلاتكم، سواء كانت دعاء السفر للعمرة أو لطلب الرزق، سياحة إيمانية ودورة تربوية للنفس. وعند عودتكم سالمين، رددوا دعاء الرجوع: "آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ". شارك هذه التوجيهات مع أحبابك لتضمن لهم رحلة آمنة ومباركة.

تعليقات