حكم مصافحة النساء: الإجابة الشرعية الواضحة ودفع الحرج

لقد وضع الإسلام ضوابط دقيقة ومنهجية للعلاقات بين الجنسين، هدفها الأسمى هو الحفاظ على المجتمع، وصيانة الأعراض، ودرء الفتنة. ومن بين القضايا التي قد تثير تساؤلات كثيرة في مجتمعاتنا، خاصة مع اختلاف العادات وتداخل الثقافات، هي قضية حكم مصافحة النساء الأجنبيات، أي غير المحارم. قد يجد الكثير منا أنفسهم في مواقف اجتماعية ضاغطة، يواجهون فيها صعوبة في تطبيق الحكم الشرعي، خوفًا من الحرج الاجتماعي أو اتهامهم بالتشدد.

إن الغرض من هذا المقال هو تقديم رؤية واضحة ومبنية على الأدلة الشرعية الصحيحة، مستنيرة بفتاوى العلماء الراسخين، وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمهما الله، لنتمكن من التعامل مع هذا الأمر بجدية تامة تجاه الشريعة، وبتعاطف وفهم للحرج الذي قد يواجهه المسلم العادي.

حكم مصافحة النساء: الإجابة الشرعية الواضحة ودفع الحرج

الأساس الشرعي لحكم مصافحة النساء الأجنبيات

الأدلة الصريحة على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية

تؤكد الفتاوى الشرعية أن مصافحة المرأة الأجنبية (التي ليست من المحارم) لا تجوز. ويستند هذا الحكم إلى أدلة واضحة ومباشرة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

أولاً، ما جاء عن النبي ﷺ بفعله وقوله. فقد ورد عنه ﷺ قوله: "إني لا أصافح النساء". هذا القول يوضح بجلاء موقفه من مصافحة من لا تحل له، وهو الأسوة الحسنة التي يجب على المسلمين الاقتداء بها، مصداقًا لقوله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" [الأحزاب:21].

ثانيًا، ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والتي كانت الأقرب إلى النبي ﷺ والأعلم بسنته. فقد قالت: "والله ما مست يد رسول الله ﷺ يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام". هذا النفي القاطع من عائشة يؤكد أن المصافحة لم تكن من عادته ﷺ حتى في أشد المواقف أهمية، مثل أخذ البيعة من النساء. كانت بيعة النساء تتم بالكلام فحسب.

مفهوم "المرأة الأجنبية" ومن هي المحرم؟

مصطلح "المرأة الأجنبية" أو "غير المحارم" يشير إلى كل امرأة لا يحرم زواجها على الرجل شرعًا، سواء كانت من الأقارب أم لا.

المحارم هم أولئك الذين يجوز للرجل أن يصافحهم دون حرج، مثل أخته، أو عمته، أو خالته، أو أمه. أما غير المحارم، فتدخل في هذا الحكم فئات قد يظن البعض أنها مستثناة بحكم القرب، مثل:

  1. بنات العم وبنات الخال: فليسوا محارم، ولا يجوز مصافحتهن.
  2. زوج أخت الرجل أو أخو زوجها: لا يجوز مصافحتهما لعدم كونهما من المحارم.
  3. زوجة الأخ: هذه من العادات الشائعة الخاطئة، لكنها حرام ولا تجوز مصافحتها.

خلاصة القاعدة هي أنه إذا كانت المرأة ليست من محارم الإنسان، فإنه لا يجوز له أن يصافحها. هذا الحكم لا يختلف سواء كانت المرأة كبيرة السن أو شابة صغيرة.

لماذا التحريم؟ المصافحة وسيلة إلى الفتنة

إن المنظور الشرعي لا يقتصر على التحريم المطلق، بل يتعمق في الأسباب والمقاصد. فالشريعة الإسلامية تهدف إلى سد الذرائع، أي إغلاق الأبواب المؤدية إلى الفساد. مصافحة غير المحارم تعتبر وسيلة قد تفضي إلى الفتنة والوقوع في المحظور.

المصافحة أشد خطراً من النظر

يذهب بعض أهل العلم إلى أن المصافحة قد تكون أشد من النظر (إلى المرأة). وقد عللوا ذلك بأن لمسها قد يسبب من الشهوة أكثر مما يسببه النظر. وهذا يجعل المصافحة أمرًا منكرًا لا يجوز، سواء كانت مع الأقارب غير المحارم أو مع غيرهم.

لقد نص الله سبحانه وتعالى على تحريم النظر، وبما أن المصافحة قد تكون أشد في الفتنة، فإن المنع منها يكون آكد. إن القصد من هذا التشديد هو حماية القلوب والأبصار من كل ما يخدش الحياء ويوقظ الغرائز بشكل غير شرعي.

هل يجوز المصافحة بحائل؟

القاعدة العامة في الحكم هي المنع التام لكل امرأة ليست من المحارم. وذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إلى أن المصافحة لا تجوز، سواء صافحها الرجل مباشرة أو من وراء حائل. هذا التشدد يرسخ مبدأ الحذر والابتعاد عن مواطن الشبهة والفتنة.

التعامل مع الحرج والمواقف الاجتماعية الصعبة

إن تطبيق حكم مصافحة النساء قد يضع المسلم في مواجهة مع عادات اجتماعية راسخة، أو حتى مع ضغط من الأهل والأقارب.

قد يواجه الشخص مواقف يمد فيها الطرف الآخر يده للمصافحة، خاصة عند القدوم من سفر طويل أو في مناسبات العائلية. هنا تظهر الحاجة إلى الجمع بين الجدية في الالتزام والتعاطف في التعامل.

واجب المؤمن: الرفض بلباقة دون حياء

إذا مدّت امرأة غير محرم يدها للمصافحة، فالواجب على المؤمن هو أن يمتنع، وأن يقبض يده.

ليس في هذا الأمر حياء. الحياء المحمود هو الذي لا يمنع من بيان الحق والالتزام به. يجب على المسلم أن يمتنع عن المصافحة، وأن يخبر المرأة بلباقة ووضوح أن المصافحة لا تجوز شرعًا. هذا التعليم والإرشاد مطلوب منه، حتى لا تعود المرأة لمثل هذا الفعل. فالله سبحانه وتعالى لا يستحيي من الحق.

السكوت أو الاستحياء في هذه الحالة يؤدي إلى بقاء الجهل والخطأ، والواجب هو بيان الحق حتى يتعلم الناس رجالًا ونساءً.

حلول لمشكلة قطيعة الرحم

في بعض الحالات النادرة، قد يشعر الرجل بأن امتناعه عن مصافحة قريباته غير المحارم (كزوجة الأخ أو بنات العم) قد يؤدي إلى قطيعة الرحم، خاصة إذا قوبل هذا الامتناع بالسخرية أو الإلزام.

يوجهنا الشيخ ابن باز رحمه الله في هذه الحالة بمرونة ورحمة، حيث يوضح أن الصلة لا تشترط الحضور والمصافحة. إذا كان حضور الرجل يوجب إلزامه بالمصافحة المحرمة، فيمكنه أن يمتنع عن الحضور.

ويمكن للمسلم أن يصل رحمه بوسائل أخرى:

  1. السلام بالكلام والدعاء: يسلم عليهن بالكلام، ويرد عليهن، ويسأل عن أحوالهن، ويدعو لهن بالخير.
  2. التواصل عن بعد: يمكن التواصل عن طريق الهاتف (التلفون)، أو المكاتبة.
  3. المساعدة المادية: إذا كن فقيرات، فإن إرسال مساعدة إليهن يعتبر أيضًا من صلة الرحم.
  4. الوصية بالتسليم: يمكنه أن يوصي شخصًا آخر بالتسليم عليهن نيابة عنه.

بهذه الطريقة، يحافظ المسلم على دينه وعلى صلة رحمه في آن واحد، فالأمر واسع والحمد لله.

حكم السلام على المرأة الأجنبية دون مصافحة

من المهم التفريق بين المصافحة (اللمس) والسلام (القول).

السلام بالكلام مشروع ومطلوب، خصوصًا إذا لم يكن هناك خلوة. يجب على الرجل أن يسلم على المرأة الأجنبية بالكلام فقط، وأن يرد عليها بالكلام، ويسألها عن أحوالها دون مصافحة أو خلوة.

شروط السلام على المرأة الأجنبية:

  1. أن يكون بالكلام فقط.
  2. أن لا يكون هناك خلوة (أي انفراد الرجل بالمرأة).
  3. المرأة الأجنبية يجب عليها التحجب عن الرجل الأجنبي.

هذا المنهج يحقق التوازن بين الحفاظ على الأدب الإسلامي في إفشاء السلام، والالتزام بحدود الله في تجنب اللمس والخلوة.

حكم مصافحة النساء اللاتي لسن محارم هو الحرمة والمنع، بناءً على سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: "إني لا أصافح النساء"، وشهادة عائشة رضي الله عنها بأنه لم تمس يده يد امرأة قط. هذا الحكم يشمل الشابات والعجائز، ولا يجوز حتى مع وجود حائل. السبب في ذلك هو أن المصافحة تعد وسيلة قوية للفتنة، وقد تكون أشد من النظر. في المواقف المحرجة، يجب على المسلم أن يمتنع عن المصافحة بلباقة ووضوح، مع بيان الحكم الشرعي، وأن يلجأ إلى وسائل أخرى لصلة الأرحام غير المحارم (مثل الهاتف والمساعدة والدعاء) لتجنب الإثم وقطيعة الرحم معًا.

أسئلة وأجوبة شائعة حول حكم مصافحة النساء (Q&A)

س1: هل يتغير حكم مصافحة المرأة الأجنبية إذا كانت كبيرة السن (عجوزاً)؟

الجواب: لا، الحكم لا يتغير. مصافحة المرأة الأجنبية لا تجوز مطلقًا، سواء كانت عجوزًا أو شابة. يجب على الرجل أن يمتنع عنها، وأن يكتفي بالتسليم بالكلام والدعاء لهن بالخير.

س2: ما حكم مصافحة أقارب الزوجة مثل أخت الزوجة أو بنت عمها؟

الجواب: لا يجوز. أخت الزوجة وبنت عم الزوجة وبنت خالها ليسوا محارم للرجل، والقاعدة الشرعية واضحة: كل امرأة ليست من المحارم لا يجوز مصافحتها.

س3: ما هو التصرف الصحيح إذا قامت المرأة بمد يدها للمصافحة وكانت هذه عادة شائعة في محيطي؟

الجواب: التصرف الصحيح هو الامتناع عن المصافحة وقبض اليد، مع ضرورة إخبارها بالأمر الشرعي بلطف ولباقة. لا ينبغي للمؤمن أن يستحيي من بيان الحق. إذا كان الامتناع يسبب ضغطاً اجتماعياً كبيراً يؤدي إلى السخرية أو إلزامه بالمصافحة، فيمكنه تقليل الاحتكاك المباشر أو الاكتفاء بصلة الرحم عبر الهاتف أو المساعدة المالية.

س4: هل المصافحة من وراء حائل (كقفاز أو قطعة قماش) جائزة؟

الجواب: ذهب بعض العلماء (مثل الشيخ ابن عثيمين) إلى أن المصافحة لا تجوز حتى من وراء حائل. القاعدة هي أن كل امرأة ليست من محارم الإنسان، فإنه لا يجوز أن يصافحها سواء صافحها مباشرة أو من وراء حائل.

تعليقات